قطعت المرأة اللبنانية أشواطاً بعيدة في مسيرة نضالها لانتزاع حقوقها من قبضة مجتمع همّشها لسنوات، ولا تزال، بالتعاون مع منظمات حقوقية، تحاول اكتساب ما تبقى من هذه الحقوق.
وبخطى ثابتة، يشق اقتراح قانون منع "تزويج القاصرات" طريقه إلى المجلس النيابي مذللاً ما يعيقه من عثرات أنتجتها موروثات اجتماعية ودينية، تحكمت بمصير فتيات دون الثامنة عشرة من العمر.
ضمن سلسلة من الجهود المكثفة عالمياً ومحلياً، تم إطلاق حملة "حلما أكبر من جازة" استكمالاً لمسيرة رفع الغبن عن المرأة اللبنانية، وفي هذا الإطار دعا مسؤولون عن الحملة إلى طاولة حوار شاركت فيها "جسور" لعرض أبرز ما تم إنجازه في ملف تزويج القاصرات واقتراح القانون المتعلق به.
عوامل عديدة وعواقب وخيمة
قبل الدخول في الشق القانوني، عرضت رئيسة الهيئة اللبنانية لمناهضة العنف ضد المرأة لورا صفير للأسباب الكامنة وراء ظاهرة تزويج القاصرات "منها الاقتصادي كي تتخلص العائلة من عبء إعالتهن، ومنها الاجتماعي وموروثاته للحفاظ في بعض الأحيان على الشرف وإنقاذ العار (إن اغتصبت الفتاة وهي قاصر) إضافة إلى العامل الأمني لحاجة الفتاة إلى الاستقرار خصوصاً خلال النزاعات المسلحة كما أن الحرمان من التعليم يشكل دافعاً للجوء الفتاة إلى الزواج المبكر وكذلك تعرضها للعنف والمضايقات".
صفير تطرقت أيضاً إلى عواقب تزويج الفتيات القاصرات على أكثر من صعيد، وشرحت أنه "يهدد المرأة والطفل من الناحيتين الجنسية والانجابية" كما تمتد لتطال المجتمع بأكمله "حرمان الفتيات من التعليم يبعدها عن الانخراط في ميدان العمل ويحرم المجتمع من طاقات كانت لتشكل رافعة اقتصادية له".
مسار ودعم
خطة متكاملة وضعت لتمهيد الطريق أمام اقتراح قانون منع "تزويج القاصرات" أشارت إليها منسقة الحملة غنوة شندر كاشفة عن "عقد لقاءات مع شركائهم من جمعيات ومنظمات وإعلاميين وجامعات وسياسيين إضافة إلى بعض الأحزاب وعدد من النواب".
وتطرقت شندر إلى البرامج المعدة لاحتواء ضحايا التزويج المبكر "من جهة نقدم مناصرة اجتماعية لمساعدة الضحايا عبر مراكز مفتوحة بشكل دائم من خلال خدمة المساحات الآمنة والخط الآمن كما نؤمّن لهن الدعم القانوني والاجتماعي والنفسي".
ومن جهة أخرى تحدثت عن حملات للتوعية من التزويج المبكر "نقوم بدورات تدريبية وجلسات توعية للطلاب والطالبات على مخاطر التزويج المبكر إضافة إلى جلسات توعية في بعض المناطق حيث النساء والفتيات مهمشات".
كذلك تطرقت إلى مساعي الحملة لإلغاء رواسب بعض المواد الجائرة بحق المرأة "نناضل لإلغاء المواد 505 و518 و519 من قانون العقوبات اللبناني لكونها تتيح إعفاء مغتصب فتاة سنها بين 15 و18 عاماً، من العقوبة في حال تزوجها لنكون أمام جرم مزدوج "الاغتصاب، والزواج".
أهمية التوقيت
من جهته، شدد المحامي أمين بشير، أحد منظمي طاولة الحوار على أهمية التوقيت "يوجد توقيت مهم لالتقاط اللحظة المناسبة وقطف ثمارها والأمر ينطبق في موضوع القوانين وإقرارها" مقدماً مثالاً على ذلك "إلغاء المادة 522 تطلب عملاً جماعياً وتشبيكاً للجهود ومجتمعاً حاضراً ودعوات للتظاهر قبل الوصول لإقرار هذه المادة".
وأعلن عن أن اللحظة باتت مؤاتية لإقرار مشروع قانون منع تزويج القاصرات بعد نضوجها "أظن أننا في توقيت مهم لأن الموضوع بات مشبعاً من جوانب عديدة، ثقافية واجتماعية وفنية كما أن المؤثرين على مواقع التواصل الاجتماعي يضيئون عليه".
الانطلاق من الدستور
وشرح بشير أن الدستور اللبناني شكل منطلقاً لمشروع قانون "تزويج القاصرات" وتحديداً "من خلال المادة التاسعة منه التي تعطي الحرية المطلقة للطوائف في لبنان في بسط سلطتها على الأحوال الشخصية".
ولفت بشير إلى أن تجاهل عبارة "على ألا يكون في ذلك إخلال بالنظام العام" في المادة المذكورة ساهم في تعميق المشكلة، وشكل دافعاً "لضرورة تدخل المشرع رفضاً لانتهاك الانتظام العام ومنعاً لأي طائفة من تشريع ما تراه مناسباً لها على حسابه".
النظام أو الانتظام العام كما شرحه بشير "هو عبارة عن مجموعة من القواعد التي تحكم أي علاقة في المجتمع وهدفها حماية حقوق الإنسان، وأبرزها الحق في الحياة والحرية والصحة والطبابة".
نقطة أخرى لفت إليها بشير "تسعى الحملة لإضافة مادة في القانون في حال وجود استثناء أي عند اضطرار القاصر للزواج، عبر إلزام طالب الزواج منها أخذ الإذن من قاضي الأحداث وهو قاض ضمن هيكلية القضاء اللبناني".
أرقام مقلقة
وأظهرت دراسة عن "الزواج المبكر" في لبنان، أجريت عام 2020 وشملت 300 حالة من حالات التزويج المبكر أن منطقة الهرمل تحتل المرتبة الأولى بنسبة 16 في المائة في نسبة تزويج طفلات، والفتيات في غالبيتهن دون 15 عاماً، فيما احتلت منطقة عكار المرتبة الثانية بنسبة 14 في المائة مع عمر 16 عاماً فما دون. كما سجلت نسبة 13 في المائة من هذه الزيجات في كلّ من مناطق صور وبعض أحياء طرابلس والميناء وأحزمة البؤس في بيوت التنك في الميناء - طرابلس والأحياء الفقيرة، فيما وصلت النسبة إلى 10 في المائة في محافظتي البقاع والجنوب.
وعن مستوى تعليم المتزوجات الطفلات، أظهرت الدراسة نفسها، أن 14.7 في المائة منهن، يعانين الامية فيما حصلت 27.3 بالمئة منن على تعليم ابتدائي الحالات أما في الإعدادي والمتوسط والتكميلي فبلغت نسبتهنّ 38 في المائة، والثانوي 18 في المائة، والجامعي وما فوق اثنين في المائة فقط.