في وطن يعيش انقسامات سياسية حادة ألقت بظلالها على مفاصل الدولة، برزت قضية توقيف حاكم مصرف لبنان لتكشف عن المزيد من التصدع في الكيان المهترئ.
الصراع بدأ مع تجميد ملف التعيينات القضائية، والتشكيك بقرارات المحقق العدلي في تفجير مرفأ بيروت مع ما رافقه من عرقلة للتحقيقات. أما إقحام النائبة العامة الإستئنافية القاضية غادة عون في ملفات قضائية بأبعاد سياسية في أكثر من قضية فزاد الأمور تعقيداً لتصل إلى أوجها مع إصدارها مذكرة توقيف بحق حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، ثم بإدعائها على المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان بتهمة الضغط لعرقلة أمن الدولة من تنفيذ مهمتها.
الانقسام الجديد ظهر على خلفية توجّه قوة من جهاز "أمن الدولة" لتوقيف سلامة، تنفيذاً لمذكرة القاضية عون، وهناك تصدت قوة تابعة لقوى الأمن الداخلي والمولجة حماية سلامة، لعناصر أمن الدولة وعادوا أدراجهم من دون إتمام مهمته، ما أشعل الساحة السياسية اللبنانية المشرذمة باعتبار أن الجهازين مرتبطان بمكونات سياسية متصارعة فيما بينها، فالأول مقرّب من رئيس الجمهورية و"التيار الوطني الحر"، والثاني مقرب من "تيار المستقبل".
ماذا في الخفايا؟
احتمال أن يكون عدم التنسيق بين أجهزة الدولة مقصوداً لم يعد مستغرباً وسط كل ما يجري وللوقوف على حقيقة الأمور تواصلت "جسور" مع المدير العام لقوى الأمن الداخلي السابق وزير العدل السابق أشرف ريفي الذي أكد وجود خلفية سياسية وراء التطورات الأخيرة باعتبار "أن كل جهاز أمني مرتبط بفريق سياسي معين" مبدياً أسفه لاستغلال القوى الأمنية المولجة حماية الوطن في غايات سياسية.
وفي معرض حديثه، أضاء ريفي على نقطة أساسية ألا وهي توجه أمن الدولة من دون طلب الإذن من وزارة الداخلية وأخذ موافقتها وهذه الخطوة كانت متعمدة وتهدف إلى تفجير قنبلة دخانية للتعمية على قضايا يراد تمريرها" ملمحاً إلى ما يحدث في خفايا ملف ترسيم الحدود من عمليات بيع وشراء غير شرعية.
وأسف ريفي لما أوصلت إليه الغايات السياسية في البلاد، فالدولة الموحدة تنهار، وما تحولها إلى مجموعات متصارعة سوى مؤشر للاهتراء الحاصل فيها" وأضاف "لا رهان على المنظومة الحالية الحاكمة غير القادرة على إعطاء الأمل" واصفا ًإياها بالمنظومة الهّدامة.
"لا سوء نية"
من جهة أخرى، خفف وزير الداخلية السابق مروان شربل من وطأة ما جرى معتبراً أن الموضوع برمته سببه فقط عدم التنسيق بين الأجهزة جازما ًبعدم وجود أي "سوء نية".
وفي ظل اللغط السياسي القائم مع ما رافقه من صراع مستجد بين جهازين أمنيين، لفت شربل إلى أن السياسة لا تدخل بتاتاً في عمل القوى الأمنية ولا تحركها حسب أهوائها مؤكداً أن " عناصر أمن الدولة نفذت مهمة صادرة عن القضاء" فقط لا غير ولو كانت قوى الأمن الداخلي على علم بمذكرة الجلب لما منعت قوى أمن الدولة من إتمام مهمتها".
أما التنسيق، بحسب شربل، فكان يجب أن يتم من خلال "اجتماع لمجلس الأمن المركزي برئاسة وزير الداخلية".
مسار الادعاءات
تجدر الإشارة إلى أنّ القاضية عون كانت قد لفتت إلى أنّ "هناك محضرين رسميين من أمن الدولة يوثقان رسمياً ما حصل، بالإضافة إلى فيديو يثبت أن منع تنفيذ مذكرة الإحضار حصل بأمر من اللواء عماد عثمان بعد تهديد عناصر أمن الدولة بأن الإصرار على التنفيذ سيؤدي إلى مواجهة".
ولاحقاً، ادعت القاضية عون على مدير عام قوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان أمام قاضي التحقيق الأوّل في جبل لبنان، وحدد القاضي، نقولا منصور، جلسة استماع لعثمان الأسبوع المقبل وبلّغه عبر وزارة الداخلية، طالباً من منصور، من مديرية أمن الدولة تفاصيل ما جرى أثناء التوجه إلى منزل حاكم مصرف لبنان رياض سلامة.
وكانت قد أصدرت غادة عون، في الثالث من فبراير/ شباط الجاري، قراراً قضى بمنع تصرف حاكم مصرف لبنان رياض سلامة في عقارات جديدة يملكها.
هذا ونقلت الانباء الكويتية معلومات عن أن المصارف الرئيسية في لبنان قد أرسلت إشارات للمعنيين بأن توقيف رياض سلامة سيدفعها حكماً لإقفال أبوابها ومغادرة رؤسائها لبنان.