على وقع ارتفاع أسعار الخبز والمواد الغذائية والمحروقات التي ألهبها مجددا الارتفاع اللامحدود للدولار مقابل الليرة، تودّع حكومة "معا للإنقاذ" اللبنانيين، في آخر جلسة لها عند الثانية والنصف من بعد ظهر اليوم في القصر الجمهوري، قبل أن تتحول إلى حكومة تصريف أعمال مع انتهاء ولاية مجلس النواب، في 21 أيار الحالي، وذلك في ظل خشية من صفقات مشبوهة تفاقم معاناة المواطنين.
حكومة لم تفلح في انقاذ لبنان ولا حتى في فرملة انهياره، وجلّ ما فعلت انها ضخت جرعات مسكن لمنع الانفجار وسعت لكنها لم تنجح، سعت الى اصلاحات لم تطبقها، سعت الى الاتفاق مع صندوق النقد فلم تنجح، انجاز وحيد سجّل لها، هي الانتخابات النيابية التي راهن كثيرون على عدم حصولها والتي ستنقل لبنان حتما إلى مرحلة تأسيسية جديدة في ظل انقلاب موازين القوى لمصلحة الفريق السيادي.
133 بنداً
جدول اعمال فضفاض وقياسي من 133 بندا بدا معه ان الحكومة جمعت كل ما كان في جعبتها وادرجته على جدول اعمال جلسة وحيدة، علها تنجز في جلسة ما عجزت عنه على مدى أشهر. وهي بذلك، تسعى ايضاً الى تسهيل مهمتها في مرحلة تصريف الاعمال التي ستطول كما هو واضح، بحيث تسعى الى تأمين الاعتمادات المالية وانجاز الحد الأقصى من المشاريع والمراسيم والأمور التي تقع في اطار تسيير شؤون البلد والمواطنين وادارات الدولة ومؤسساتها عبر إقرار سلف خزينة ونقل اعتمادات، تفادياً لتوقفها عن العمل ووقوعها في الشلل التام، وذلك انطلاقاً من المخاوف القائمة حيال الاحتمالات الكبيرة لتعذر تشكيل حكومة جديدة في فترة سريعة، كما تقتضي الظروف الاستثنائية في البلاد، وهي على أبواب اشهر قليلة من انتهاء الولاية الرئاسية.
133 بندا تتناول شؤونا مالية ووظيفية وتربوية وغيرها، ليس بينها رفع تعرفة الاتصالات، التي ينادي بها وزير الاتصالات جوني القرم، لئلا ينهار القطاع، ويتوقف الانترنت، خشية اندلاع انتفاضة، وقد لوّح الوزير قرم بالاستقالة، في حال عدم البتّ برفع التعرفة، قائلاً "استقالتي مطروحة على الطاولة، الاتصالات لا بديل لها، وكي لا يُقال انهار القطاع على عهد الوزير قرم".
وأبرز جدول اعمال جلسة اليوم ما يكفي لتلمس عدد من الرسائل التي ترغب حكومة الرئيس نجيب ميقاتي في توجيهها، واهمها انها جاهزة لتحمل مسؤولياتها في مرحلة الشلل وقد وفرت كل الجهوزية المطلوبة لذلك.
صفقات مشبوهة!
وبحسب معلومات "جسور"، ستستهل الجلسة بتقييم لنتائج الانتخابات النيابية، على ان تنتقل مباشرة الى الاستماع الى الوزراء في استعراض لأعمال وزاراتهم، ليصار بعدها الى طرح نائب رئيس الحكومة لاستراتيجية النهوض بالقطاع المالي ومذكرة بشأن السياسات الاقتصادية والمالية، كما ستطرح الجلسة خططا لوزارة الطاقة ايضاً (تعديل المادة 7 من القانون 462 المتعلق بتنظيم قطاع الكهرباء) ومشروع تفويض وزير الطاقة التوقيع على اتفاقيتي شراء الغاز الطبيعي مع مصر وتبادل الغاز مع سوريا، وادرجت بنود تتعلق بعشرات سلف الخزينة بمئات مليارات الليرات لتمويل مختلف الإدارات والوزارات.
وفي هذا السياق، تطرح الخبيرة في الاقتصاد النقدي، الدكتورة ليال منصور، عبر "جسور" تساؤلات عمّا إذا كانت ستُخصَّص جلسة أخرى لاستكمال البحث فيها، نظراً لكثرتها، وما تتطلبه من وقتٍ للمناقشة، مشيرة إلى أنّ الجلسة يُنظر إليها وكأنها إشارة إلى أنّ فترة تصريف الأعمال ستطول، لذا ستحاول الحكومة إقرار ما يمنعها القانون من تمريره عندما تصبح بحكم المستقيلة بعد انتهاء ولاية مجلس النواب.
ورأت منصور، أنّ هناك محاولات لتمرير بنود معطلة خلال الفترة الأخيرة، أو كان الوزراء يعوّلون على تأجيلها ثم بلورتها، معتبرة الجلسة بمثابة نفض الأيدي، وبأنهم قاموا بما عليهم، وحاولوا تمرير ما يقدرون عليه لمصلحة جماعتهم.
وأضافت: "نحن أمام 133 بنداً عبارة عن آخر 133 صفقة مشبوهة يحاولون تمريرها بجوٍّ مناسبٍ قبل أن تتحول الحكومة إلى حكومة تصريف أعمال.
من جهة أخرى، يقول الصحافي هادي جعفر، مؤسس في رابطة المودعين لـ"جسور"، إن ما يجري حاليا في اللحظات الأخيرة هو محاولة تمرير لمجموعة من القرارات والقوانين التي ليس بالضرورة أن تكون لمصلحة المواطن والمودع، لكن بالنسبة لنا فكما فشلت محاولات حكومة ميقاتي في الفترة الأخيرة بفرض قرارات لا تصبّ في مصلحتنا، فإن مواجهتنا لقرارات الحكومة ستستمر.
انفجار اجتماعي؟
وتتوقف منصور عند بندٍ لافتٍ يتعلق بزيادة الرسوم والضرائب من دون أن يقابله أي حديثٍ عن زيادة الأجور، معتبرةً أن هذا البند قد يمرّ بعد تمرير الموازنة العامة.
وبيّنت منصور أنّ هناك الكثير من النقاط والبنود، التي وإن وافق عليها مجلس الوزراء، يجب أن تمرّ بمراحل أخرى، سواء بنشرها في الجريدة الرسمية أو إحالتها على البرلمان واللجان النيابية وغير ذلك، لأنّ المسار مرتبط ببعضه.
وفي معرض حديثها، رأت الخبيرة في الاقتصاد النقدي لـ"جسور"، إن البلاد ستكون أمام كارثة مؤكدة إذا لم تذهب باتجاه إصلاحات يقرها المجلس النيابي الجديد، مضيفة أن هناك فترة قاسية بانتظار اللبنانيين، نظرا لعدم توفر العملات الصعبة لشراء القمح والمحروقات والأدوية والمتطلبات الضرورية من الخارج.
وتعتبر منصور أن إجراء الانتخابات بارقة أمل، إلا أن علامة استفهام تبقى حول قدرة هذا المجلس على القيام بالإصلاحات المطلوبة، كاشفة عن عدة سيناريوهات مطروحة، بعضها متعلق بقدرة المجلس النيابي الجديد على التنفيذ، أو إقرار إصلاحات جوهرية شكلت في وقت سابق انقساما بين القوى التقليدية.
في المقابل، افادت مصادر سياسية بأن جلسة مجلس الوزراء لن تكون سهلة في مناقشاتها وهي من حيث المضمون جلسة يتوقع أن تكون ماراتونية بفعل البنود المتخمة، كما أنها قد تكون تفصيلية من حيث الشكل اما مناقشاتها فترافقها أزمات البنزين والخبز والدواء.
وأشارت المصادر إلى أن هناك ميلا لدى المعنيين أن تخرج الحكومة بأقل ضرر ممكن فيما خص القرارات غير الشعبية إنما هذا لا يعني أن ما من إجراءات ستسلك طريقها تحت عنوان الضرورة، مؤكدة أن المناقشات قد تكون مفتوحة والحكومة في جلستها الوداعية، ستحسم ما أمكن حسمه قبل أن تتحول إلى حكومة تصريف أعمال.
في موازاة هذا الغموض في مسار جلسة الحكومة، تتجه الانظار الى ما ستؤول اليه الامور نيابياً وحكومياً بعد الحادي والعشرين من الشهر الحالي، بعد انتهاء ولاية المجلس النيابي الحالي ودخول الحكومة حكما في مرحلة تصريف الاعمال.