أنهت الجماعة الاسلامية في لبنان (وهي تمثل الإمتداد الفكري لحركة الاخوان المسلمين في لبنان) إنتخاباتها الداخلية من خلال إختيار أعضاء مجلس الشورى وهو يمثل كل المناطق اللبنانية والوحدات التنفيذية داخل الجماعة، كما يتولى هذا المجلس إختيار الأمين العام الجديد للجماعة واعضاء القيادة بعد إنتهاء ولاية الأمين العام الحالي الاستاذ عزام الأيوبي والقيادة الحالية، وفي النظام الداخلي للجماعة لا يحق للأمين العام تولي أكثر من ولايتين في الامانة العامة ومدة كل ولاية ثلاث سنوات، وبما أن الامين العام الحالي قد أمضى ولايتين في منصب الامانة العامة لذا لا يمكن التجديد له، ولا بد من إنتخاب أمين عام جديد مع قيادة جديدة.
ويعتبر الايوبي من الجيل القيادي الثاني في الجماعة، وتولى قيادة الجماعة في ظرف صعب داخليا وخارجيا، وقد انتقلت القيادة اليه من الجيل الاول والمؤسس في الجماعة والتي تولاها الامين العام الاول الدكتور فتحي يكن، والامين العام الثاني الشيخ فيصل المولوي ، والامين العام الثالث الاستاذ الشيخ ابراهيم المصري ، وقد نجح الايوبي في اعادة تفعيل دور الجماعة على الصعيد السياسي والشعبي وخوض معركة الانتخابات النيابية الاخيرة وعودة الجماعة للبرلمان سواء من خلال نائبها الدكتور عماد الحوت ، او عبر ايصال عدد من الحلفاء في بيروت وطرابلس ، كما اعاد ترتيب علاقة الجماعة مع حزب الله بعد مرحلة توتر سادت العلاقة بين الطرفين بسبب الخلاف حول مقاربة الازمة السورية والربيع العربي ، وقد عقدت لقاءات عديدة بين قيادتي الجماعة وحزب الله خلال السنوات الاخيرة برعاية ودعم من حركة حماس ، لكن بقيت هذه اللقاءات بعيدا من الاضواء والاعلام .
كما كان للجماعة الاسلامية دور في الحراك الشعبي اللبناني في 17 تشرين الاول/ اكتوبر من العام 2019 وهذا الدور عزّز من دور الجماعة السياسي والشعبي ، لكنها رغم ذلك لا تزال تواجه تحديات عديدة بسبب الحصار الخارجي والحملة التي تشن على حركات الاخوان المسلمين في المنطقة والازمات المالية التي واجهتها وبعض المشاكل الداخلية بسبب ابتعاد بعض مسؤولي الجماعة عن العمل التنظيمي والخلاف حول مقاربة بعض الاوضاع الداخلية والخارجية .
لكن الجماعة الاسلامية لا تزال تعتبر التنظيم الاسلامي الاكبر في لبنان بعد حزب الله ، فهي منتشرة في معظم المناطق اللبنانية ولديها عشرات المؤسسات الصحية والاعلامية والتربوية والفكرية ، وهي حاضرة عبر المؤسسات الدينية الرسمية وغير الرسمية ، وتشكّل علاقتها مع حركة المقاومة الاسلامية ( حماس ) احدى نقاط القوة بسبب دور حماس في فلسطين وحضورها القوي في لبنان ، وكل ذلك يجعل الجماعة حاضرة في معركة دعم المقاومة الفلسطينية ، وان كان دورها في المقاومة في لبنان قد تراجع كثيرا منذ العام 2006.
واليوم وعشية انتخاب امين عام جديد للجماعة الاسلامية ، تواجه الجماعة تحديات عديدة ، سواء على صعيد تفعيل دورها السياسي والشعبي ، لا سيما بعد تراجع دور تيار المستقبل والتنظيمات السلفية والجهادية الاسلامية ، وفي ظل ما تعانيه الساحة الاسلامية السنية من تشتت وفراغ قيادي وتشرذم القوى السياسية ، وقد تضاربت المعلومات حول الاتجاهات السياسية الجديدة لدى اعضاء مجلس الشورى الجديد وما هي الخيارات التي سيعتمدها ، وقد أشارت بعض الاوساط المطلّعة داخل الجماعة الى ان نائب الامين العام الاسبق في الجماعة الشيخ محمد الشيخ عمار قد يكون له الحظ الاكبر في تولي منصب الامين العام الجديد ، وهو من مدينة صيدا وشقيق رئيس المكتب السياسي السابق في الجماعة الدكتور علي الشيخ عمار ، وقد تولى مهام عديدة في الجماعة خلال السنوات الماضية ، لكن هناك احتمال بروز شخصيات اخرى من داخل الجسم السياسي والتنظيمي داخل الجماعة قد تنافس الشيخ محمد الشيخ عمار على هذا الموقع ، والاهم هو ما هي سياسات الجماعة في المرحلة المقبلة وهل ستنجح في تجاوز التحديات المختلفة داخليا وخارجيا وتستعيد دورها الفاعل على الساحة الاسلامية رغم العقبات التي تواجهها في هذه المرحلة.
وقد يكون اعادة التحالف مع حزب الله وقوى المقاومة وتعزيز دور الجماعة في مواجهة العدو الصهيوني احدى نقاط القوى التي يمكن استعادتها ، كما ان تعزيز الحضور الشعبي والسياسي على الساحة الاسلامية وتفعيل هذا الدور في ظل الفراغ الذي تواجهه هذه الساحة وتقديم خطاب اسلامي جديد قادر على مواكبة التحديات الخارجية والداخلية.
فهل ستنجح الجماعة الاسلامية وامينها العام الجديد في مواجهة هذه التحديات؟ ام ستبقى على هامش الواقع السياسي والشعبي في لبنان والمنطقة؟