أغلق مقر رئاسة الجمهورية اللبنانية في بعبدا أبوابه، وحل السكون في أرجائه على وقع انتهاء عهد الرئيس اللبناني الثالث عشر ميشال عون ليدخل لبنان الثلاثاء، للمرة الخامسة في تاريخه، في نفق الشغور الرئاسي إثر عجز المجلس النيابي عن انتخاب رئيس جديد للسلطة الأولى، والبلد يتخبط في أزمات اقتصادية واجتماعية ومالية تجره نحو الإنهيار الشامل.
عرفت الدولة اللبنانية الشغور الرئاسي مرتين قبل اتفاق الطائف وثلاث بعده. قبل الطائف، أعطى الدستور رئيس الجمهورية الصلاحية في تكليف شخصية ترأس حكومة انتقالية ريثما يتم انتخاب رئيس جديد للجمهورية، فيما اختلف الأمر لاحقاً.
وسُجل الشغور الأول عام 1952 حين قدّم رئيس الجمهورية آنذاك بشارة الخوري استقالته وكلّف قائد الجيش فؤاد شهاب رئاسة السلطة التنفيذية، وانتهى بانتخاب كميل شمعون رئيسا للجمهورية اللبنانية بعد أيام قليلة.
الشغور الثاني حصل بعد انتهاء ولاية الرئيس الأسبق أمين الجميل الذي كلّف قائد الجيش حينها ميشال عون برئاسة حكومة انتقالية واستمر بين سبتمبر/أيلول 1988 ونوفمبر/تشرين الثاني 1989.
بعد اتفاق الطائف، شهد لبنان على شغور في مقام الرئاسة لثلاث مرات، بين نوفمبر/تشرين الثاني 2007 ومايو/أيار 2008 عند انتهاء ولاية الرئيس الأسبق إميل لحود ثم عرف شغوراً دام 29 شهراً بين مايو/أيار 2014 وأكتوبر/تشرين الأول 2016، مع انتهاء ولاية ميشال سليمان وصولاً إلى اليوم وفي الشغورين الأولين أوكلت إلى الحكومة التي تحولت إلى تصريف الأعمال مجتمعة مهام رئيس الجمهورية.
اللغط في الشغور الأخير حصل مع رفض فريق الرئيس السابق الاعتراف بحق حكومة نجيب ميقاتي، وهي حكومة تصريف أعمال منذ الانتخابات النيابية، في إدارة الأزمة.
ما بين الشغور الأول قبل الطائف وما تلاه من شغور بعده، مقاييس عديدة تغيرت لتترك تداعياتها المختلفة على الساحة اللبنانية، بحسب الخبير القانوني في المفوضية الأوروبية الدكتور محي الدين الشحيمي الذي أراد في البداية تصحيح المفهوم وتحديد الفرق بين مصطلحي الشغور والفراغ.
شغور رئاسي لا فراغ
الفرق شاسع بين مصطلحي الفراغ والشغور، كما يشرح شحيمي في اتصال مع "جسور" "الشغور ليس بفراغ أبداً" لافتاً إلى أن "الدساتير لا تعرف الفراغ كما لا تعرف القوانين السكون".
وأضاف "المصطلح الأول أي الفراغ الدستوري والسياسي يعني الإنحلال التام وتعليق الدستور ووقف العمل به والشلل العام للسلطات وتفريغ المؤسسات" مؤكداً أنه "لا ينطبق على الحالة اللبنانية اليوم رغم دقة الظروف الاستثنائية والمرحلة الإنتقالية التي يمر بها".
ويضيف شحيمي أن المادة 62 من الدستور اللبناني لحظت موضوع الشغور الرئاسي وتطرقت إلى كيفية التعامل معه "في حال خلو سدة رئاسة الجمهورية لأي علة كانت تناط صلاحيات رئاسة الجمهورية وكالة بمجلس الوزراء" ما يؤكد كما أردف "عدم اعتراف الدستور بالفراغ وتكريسه للآليات القانونية في مرحلة الغياب المرحلي لأي مركز دستوري وتنفيذي وإداري في الدولة".
بناءً على كل ورد، يؤكد شحيمي أن "الوكالات تعتبر قانونية وتعد النتيجة الحتمية للتعاون المرن بين السلطات" لافتاً الى أن "لا ضيم بالشغور الدستوري إن تم الالتزام بالمواقيت الدستورية والمواعيد القانونية والمنصوص عنها بشكل واضح ".
شغور قبل الطائف وبعده
وإذ يعيد شحيمي حالات الشغور الرئاسي العديدة في لبنان، إلى أمر واحد "عدم احترام الميثاق" إلا أنه ميّز بين الشغور الرئاسي قبل الطائف من الشغور بعده.
بعد الطائف وبحسب القانون ووثيقة الوفاق الوطني يشير "أصبحت رئاسة مجلس الوزراء والحكومة مؤسسة قائمة بذاتها ومستقلة، يناط بها السلطة الإجرائية بحكم المادة 17 من الدستور، ما حرّرها من مزاجية وصلاحية رئيس الجمهورية رغم صلاحياته بإدارة الجلسات عند رغبته وتعاونه المرن مع مجلس الوزراء ورئيسه".
ويضيف "لم يعد يحق لرئيس الجمهورية إقالتها ولا حجبها عن أداء مهامها كما لا يمكنه تعليق نشاطها أو إنهائها واستبدالها كما كان منصوصاً قبل الطائف بل تستمر في تصريف الأعمال لحين تأمين البديل ويوكل اليها مهام رئاسة الجمهورية مهما تكن صفتها باعتبار أن الدستور حررها من الصفة المطلوبة وأوكل الأمر لوجودها الواقعي فقط، والمعنى الضيق لتصريف الأعمال منوط بمعيار بمدة المرحلة الانتقالية وحاجة الأمر الواقع والظرف الاستثنائي، فالحاجات الانسانية والمرافق العامة لا تعرف الاستقالة ولا تركن لتصريف الاعمال وحاجات الشعب فوق كل القوانين ".
تداعيات الشغور
الشغور ليس بالأمر الصحي كما أكد شحيمي "رغم كونه موجوداً بحكم الدستور ومنصوص على كيفية ادارته لجهة التبدل في السلطة إلا أنه انعكاس للتخبط في احترام القوانين والدستور".
ولفت إلى أن "لبنان بحاجة ماسة لفترة حكم طبيعية عنوانها التقيد بالقوانين واحترام المهل والمواعيد التي من شأنها أن تعيد ثقة اللبناني بسلطته وثقة العالم بالسلطة اللبنانية ولا سبيل لدخول الاصلاح والوصول لبر الامان إن لم يتم انتخاب رئيس جمهورية صالح ومقبول لبنانيا عربيا ودوليا وقادر على التعامل بدقة مع هذه الأزمة".