في مسرحية "كاسك يا وطن"، تكرّر مشهد بيع "غوار الطوشة" لأبنائه، لكن هذه المرة تحول المشهد إلى حقيقة واقعة بعد أن دفعت الأزمة الاقتصادية المترديّة بعسكري لبناني إلى عرض ابنه للبيع.
لن نعيد تكرار الحديث عن المأساة التي يعيشها اللبنانيون، فالأمور أصبحت واضحة للجميع، الأزمات الأخيرة أنهكت قواهم وبعثرث آمالهم وطموحاتهم، والانهيار طال أمنهم الغذائي والصحي والمعيشي في ظل نظام مهترئ، فيكفي أنّ اللبناني يتخبط بأزمة تُصنّف الأولى عالمياً بحسب تقارير دولية.
"دولتنا جوعت أولادنا"
ما يستوقفنا اليوم هي تلك الكلمات التي نشرها الرقيب أول في قوى الأمن الداخلي اللبناني، "م ع" عبر صفحته على "فيسبوك" عبّر من خلالها عن الوضع المذري الذي وصل إليه وزملاؤه في السلك العسكري.
وعرّف العنصر بنفسه، قائلا: "أنا الرقيب أول في قوى الأمن الداخلي (م ع) أعرض بيع ابني الوحيد بعد عرضي بيع كليتي".
وتابع: "دولتنا جوعت أولادنا وحرمت أهلنا الطبابة والأدوية وكل شيء، طفح الكيل".
وأرفق منشوره برقم هاتفه لمن يريد شراء ولده، ثم لم يلبث أن حذف المنشور لأسباب غير معروفة.
بعد منشور بيع كليته، تلقى الرقيب أول كما يقول وعداً من مديرية قوى الأمن بمتابعة قضيته ومنحه سلفة مالية وتأمين علاج والدته، وكذلك أدويته فهو الآخر مصاب بداء السكري والأعصاب وانسداد في الرئة، "لكن حتى الساعة لم أسمع سوى وعوداً من دون أي خطوة جدية، على عكس احدى الجمعيات التي سارعت بإرسال الأدوية التي تحتاجها والدتي، لأصدم بعدها باتصال من جمعية سبق أن أبلغتني بأنها ستقف إلى جانبي، بتراجعها عن ذلك".
ويضيف: "16 سنة وأنا أخدم وطني، كما بقية زملائي في السلك، لكن كيف لنا أن نستمر بعد أن نهشنا الفقر، الديون أثقلت كاهلي، ولم يعد هناك من ألجأ إليه لأطلب منه إقراضي ولو مبلغاً بسيطاً لتسيير أموري".
انهيار بنيوي
وتعليقا على هذه المأساة، رأى الصحافي صهيب جوهر، في تصريح لـ "جسور"، أن الحادثة هي امتداد لمجموعة حوادث تتكرّر منذ بداية الأزمة، لافتا إلى أنّ "المؤسسات العسكرية والأمنية في لبنان تتعرض لحالة أشبه بانهيار بنيوي مرده إلى الأزمة المعيشية التي تضرب أفرادها، والناجمة عن تردي قيمة رواتبهم الشرائية بشكل هائل". ورجّح أن تكون حالات الفرار من الخدمة العسكرية من قوى الأمن الداخلي وباقي المؤسسات الأمنية بالمئات، في حين أن أعداد الفارين من الجيش اللبناني بالآلاف ومرشحة للارتفاع مع تردي الأوضاع أكثر فأكثر.
وفي حديثه لـ "جسور"، بيّن جوهر أنّ "حالات فرار العسكريين والأمنيين من مراكز عملهم تتزايد، ليس لسبب سوى الهروب مما يصفونه بالعمل "السخرة" ومن حال الحجر المفروضة عليهم. فلا رواتب تؤمن معيشتهم ولا موافقات تُمنح على طلبات تسريحهم ولا أذونات سفر خارج البلد ولا قدرة على التعايش مع الواقع الجديد في المؤسسات العسكرية والأمنية".
وأضاف جوهر، أنّ ما شهدناه مع القيب العيتاوي هو غيض من فيض، فالجميع بات يتقاضى فتاتاً لقاء عمل لا يؤمن معيشة أيام قليلة، لكن تبقى للقوى الأمنية والعسكرية خصوصية لا يمكن التغاضي عنها.
"فساد مستشرٍ"
من جهته، أوضح رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات والأبحاث، العميد الركن الدكتور هشام جابر، في اتصال مع "جسور" أنّ السلك العسكري هو جزء من النسيج اللبناني، والعسكريين في المؤسسات الأمنية كافة يبلغ عددهم 90 ألفا ومع عائلاتهم يقدرون بـ 400 ألف مواطن أي 10% من الشعب اللبناني، وبالتالي هم يحتاجون إلى أدنى مقومات الحياة الكريمة من مواد غذائية وخدمات وطبابة ومدارس وغيرها.
وأشار جابر، إلى أن العميد المتقاعد يتقاضى حاليا "قرابة الـ 6 ملايين ليرة لبنانية فقط"، (كانت قبل الأزمة تساوي نحو 4 آلاف دولار، أما اليوم فباتت تساوي 200 دولار مع وصول سعر الدولار إلى نحو 30 ألف ليرة لبنانية في السوق السوداء)؛ مشددا على أن "الرواتب وصلت إلى القعر وهي لا تكفي لشراء الخبز، بسبب الفساد المستشري في كل أجهزة الدولة".
وعن الحلول، لفت جابر إلى أهمية أن يتم "إلزام المصارف بدفع جميع الرواتب للموظفين بسعر 8 آلاف ليرة، كما طالب مستوردي الأدوية التبرع بقيمة 10% من الأدوية لصالح المؤسسات الأمنية، وتوزيع نسبة معينة من المحروقات على العسكريين".
إلى ذلك فإن بعض الجهات والقيادات العسكرية عملت على تأمين ما يشبه المساعدات الشهرية أو المتقطّعة للعسكريين، للتخفيف من حدة الأعباء المعيشية وهي مساعدات عينية من أغذية وحبوب.
في وقت تمكّنت قيادة الجيش منفردة من تأمين مبلغ قليل بالدولار ولكن ليش بشكل شهري للجنود.
وعليه فإن المطالبات تتخطى المساعدات العينية إلى المطالبة بالعودة إلى التغطية الصحية التي حُرم منها عناصر قوى الأمن الداخلي، وكذلك الطبابة والأدوية التي لم تعد متوافرة لهم.
يُذكر أن حادثة مشابهة وقعت قبل شهر تقريبا حيث عرض شاب كليته للبيع لعلاج زوجته، وذلك بسبب الظروف المعيشية الصعبة التي تعرض لها.
لن نعيد تكرار الحديث عن المأساة التي يعيشها اللبنانيون، فالأمور أصبحت واضحة للجميع، الأزمات الأخيرة أنهكت قواهم وبعثرث آمالهم وطموحاتهم، والانهيار طال أمنهم الغذائي والصحي والمعيشي في ظل نظام مهترئ، فيكفي أنّ اللبناني يتخبط بأزمة تُصنّف الأولى عالمياً بحسب تقارير دولية.
"دولتنا جوعت أولادنا"
ما يستوقفنا اليوم هي تلك الكلمات التي نشرها الرقيب أول في قوى الأمن الداخلي اللبناني، "م ع" عبر صفحته على "فيسبوك" عبّر من خلالها عن الوضع المذري الذي وصل إليه وزملاؤه في السلك العسكري.
وعرّف العنصر بنفسه، قائلا: "أنا الرقيب أول في قوى الأمن الداخلي (م ع) أعرض بيع ابني الوحيد بعد عرضي بيع كليتي".
وتابع: "دولتنا جوعت أولادنا وحرمت أهلنا الطبابة والأدوية وكل شيء، طفح الكيل".
وأرفق منشوره برقم هاتفه لمن يريد شراء ولده، ثم لم يلبث أن حذف المنشور لأسباب غير معروفة.
بعد منشور بيع كليته، تلقى الرقيب أول كما يقول وعداً من مديرية قوى الأمن بمتابعة قضيته ومنحه سلفة مالية وتأمين علاج والدته، وكذلك أدويته فهو الآخر مصاب بداء السكري والأعصاب وانسداد في الرئة، "لكن حتى الساعة لم أسمع سوى وعوداً من دون أي خطوة جدية، على عكس احدى الجمعيات التي سارعت بإرسال الأدوية التي تحتاجها والدتي، لأصدم بعدها باتصال من جمعية سبق أن أبلغتني بأنها ستقف إلى جانبي، بتراجعها عن ذلك".
ويضيف: "16 سنة وأنا أخدم وطني، كما بقية زملائي في السلك، لكن كيف لنا أن نستمر بعد أن نهشنا الفقر، الديون أثقلت كاهلي، ولم يعد هناك من ألجأ إليه لأطلب منه إقراضي ولو مبلغاً بسيطاً لتسيير أموري".
انهيار بنيوي
وتعليقا على هذه المأساة، رأى الصحافي صهيب جوهر، في تصريح لـ "جسور"، أن الحادثة هي امتداد لمجموعة حوادث تتكرّر منذ بداية الأزمة، لافتا إلى أنّ "المؤسسات العسكرية والأمنية في لبنان تتعرض لحالة أشبه بانهيار بنيوي مرده إلى الأزمة المعيشية التي تضرب أفرادها، والناجمة عن تردي قيمة رواتبهم الشرائية بشكل هائل". ورجّح أن تكون حالات الفرار من الخدمة العسكرية من قوى الأمن الداخلي وباقي المؤسسات الأمنية بالمئات، في حين أن أعداد الفارين من الجيش اللبناني بالآلاف ومرشحة للارتفاع مع تردي الأوضاع أكثر فأكثر.
وفي حديثه لـ "جسور"، بيّن جوهر أنّ "حالات فرار العسكريين والأمنيين من مراكز عملهم تتزايد، ليس لسبب سوى الهروب مما يصفونه بالعمل "السخرة" ومن حال الحجر المفروضة عليهم. فلا رواتب تؤمن معيشتهم ولا موافقات تُمنح على طلبات تسريحهم ولا أذونات سفر خارج البلد ولا قدرة على التعايش مع الواقع الجديد في المؤسسات العسكرية والأمنية".
وأضاف جوهر، أنّ ما شهدناه مع القيب العيتاوي هو غيض من فيض، فالجميع بات يتقاضى فتاتاً لقاء عمل لا يؤمن معيشة أيام قليلة، لكن تبقى للقوى الأمنية والعسكرية خصوصية لا يمكن التغاضي عنها.
"فساد مستشرٍ"
من جهته، أوضح رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات والأبحاث، العميد الركن الدكتور هشام جابر، في اتصال مع "جسور" أنّ السلك العسكري هو جزء من النسيج اللبناني، والعسكريين في المؤسسات الأمنية كافة يبلغ عددهم 90 ألفا ومع عائلاتهم يقدرون بـ 400 ألف مواطن أي 10% من الشعب اللبناني، وبالتالي هم يحتاجون إلى أدنى مقومات الحياة الكريمة من مواد غذائية وخدمات وطبابة ومدارس وغيرها.
وأشار جابر، إلى أن العميد المتقاعد يتقاضى حاليا "قرابة الـ 6 ملايين ليرة لبنانية فقط"، (كانت قبل الأزمة تساوي نحو 4 آلاف دولار، أما اليوم فباتت تساوي 200 دولار مع وصول سعر الدولار إلى نحو 30 ألف ليرة لبنانية في السوق السوداء)؛ مشددا على أن "الرواتب وصلت إلى القعر وهي لا تكفي لشراء الخبز، بسبب الفساد المستشري في كل أجهزة الدولة".
وعن الحلول، لفت جابر إلى أهمية أن يتم "إلزام المصارف بدفع جميع الرواتب للموظفين بسعر 8 آلاف ليرة، كما طالب مستوردي الأدوية التبرع بقيمة 10% من الأدوية لصالح المؤسسات الأمنية، وتوزيع نسبة معينة من المحروقات على العسكريين".
إلى ذلك فإن بعض الجهات والقيادات العسكرية عملت على تأمين ما يشبه المساعدات الشهرية أو المتقطّعة للعسكريين، للتخفيف من حدة الأعباء المعيشية وهي مساعدات عينية من أغذية وحبوب.
في وقت تمكّنت قيادة الجيش منفردة من تأمين مبلغ قليل بالدولار ولكن ليش بشكل شهري للجنود.
وعليه فإن المطالبات تتخطى المساعدات العينية إلى المطالبة بالعودة إلى التغطية الصحية التي حُرم منها عناصر قوى الأمن الداخلي، وكذلك الطبابة والأدوية التي لم تعد متوافرة لهم.
يُذكر أن حادثة مشابهة وقعت قبل شهر تقريبا حيث عرض شاب كليته للبيع لعلاج زوجته، وذلك بسبب الظروف المعيشية الصعبة التي تعرض لها.