تتفاقم النزاعات العشائرية او ما يعرف بـ"الدكة العشائرية" بصورة غير مسبوقة داخل المجتمع العراقي.
وتعرف "الدكة العشائرية" بأنها هجمات مسلحة لإرغام الخصوم على الرضوخ للحكم العشائري، وتتم عبر إطلاق النار بمختلف الأسلحة على بيوت الخصوم، وقد شاعت هذه العادة بصورة لافتة عقب الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003.
وتتخذ الحكومة العراقية إجراءات خاصة لمواجهة مثل هذه النزاعات حيث تعلن الجهات الامنية الرسمية بشكل شبه يومي عن تنفيذ عمليات والقاء القبض على أشخاص متهمين بتنفيذ "الدكات العشائرية" واستخدام السلاح والتسبب بزعزعة الأمن.
تهديد للسلم الأهلي
وحذّر مسؤولون عراقيون، من خطورة تنامي النزاعات العشائرية في البلاد، والتي تتسبب بشكل مستمر بسقوط ضحايا، مؤكدين أن تلك النزاعات باتت تقلق السلم الأهلي، ومطالبين بقرارات حازمة للحد منها.
وشهدت مدينة سوق الشيوخ في محافظة ذي قار جنوبي البلاد، في وقت سابق نزاعاً عشائرياً مسلحاً دام لنحو 5 ساعات بين قبيلتين، تسبب بمقتل 6 أشخاص وإصابة نحو 30 آخرين، من جراء حالة طلاق بين زوجين ينتميان لقبيلتين مختلفتين، الأمر الذي دفع القوات العراقية إلى اعتقال عدد من أفراد العشيرتين بعد انتهاء الاشتباكات المسلحة .
وعن هذا الشأن، تحدث الباحث في الشأن الامني والسياسي، سرمد البياتي لـ "جسور"، لافتا إلى أن "السلاح المنفلت هو السبب الأساس وراء ازدياد وتيرة النزاع العشائري"، كما أن "هيبة الدولة لم تفرض بالشكل الصحيح على هذه المناطق".
وفي الإطار، تابع البياتي: "كمية السلاح المتوفرة والمستخدمة ربما تعود لجهات معينة، وهذه إشكالية كبيرة، وما يحصل في جنوب العراق وحتى في بغداد من صراعات ونزاعات عشائرية أصبحت تقلق المواطن، وعلى الدولة أن تضرب بيد من حديد لإنهاء هذه العمليات.
أسباب النزاعات
من جهة أخرى، عزا خبراء في علم الاجتماع أسباب اندلاع النزاعات العشائرية إلى "وقوع حالات تهديد أو ظلم على فرد أو جماعة مما يضطر البعض إلى اللجوء إلى عشائرهم، من دون القانون لعدم ثقتهم بعدالته.
كما أن النزاعات في المناطق حيث الامتداد العشائري قد تكون أسبابها بسيطة، منها ما هو عائلي يخص المرأة من زواج أو طلاق أو خلافات على مستحقات مالية، أو بسبب نزاع على ملكية سيارة، أو ماشية.
وتكثر النزاعات بسبب المشاجرة بين الأطفال، وغالباً ما يذهب أبرياء ضحية تلك النزاعات، التي تخلف وراءها سلسلة مطالبات بالثأر وتكون فتيل نزاع لا ينطفئ".
ويرى كثيرون أن ظروف الفقر والحرمان التي تعيشها مدن الجنوب خصوصاً بعد جائحة كورونا، أدت إلى صعود ظاهرة العنف والنزاعات العشائرية بشكل غير مسبوق، كما يرون أن ضعف الدولة، إلى جانب انتشار السلاح بين المواطنين وتغلغل الكثير من عناصر الفصائل المسلحة بين أبناء القبائل ساعد في تنامي مشكلة المعارك والخصومات العشائرية.
"الحكمة والعقلانية هما الحل"
وكانت قيادة العمليات المشتركة، دعت للجوء الى الحكمة والعقلانية في حل النزاعات العشائرية.
وقال المتحدث باسم القيادة اللواء تحسين الخفاجي إن "اللجوء الى الحكمة والعقلانية في حل النزاعات العشائرية هي الضمانة الموضوعية لقيام المجتمع الآمن المستقر، ولا سبيل أمام قيام هذا المجتمع غير التمسك بالقانون والنظام".
واتفق عدد من العشائر، على وضع ضوابط رادعة للحد من بعض الظواهر المجتمعية، بينها استخدام الطائرات المسيرة.
وشملت القرارات التي صدرت في بيان عن العشائر، "قضايا السرقة والمتاجرة بالمخدرات والتزوير والدعاوى الكيدية".
الموقف القانوني
ومن الناحية القانونية، لا وجود وصف لجريمة اسمها نزاع عشائري، لأنه لا جريمة ولا عقوبة الا بنصّ، لكن جرت العادة إطلاق هذه التسمية على ردود الأفعال الجماعية تجاه فعل معيّن بذاته، فإن معظم جرائم القتل تواجَه باحتجاج من ذوي المجني عليه تجاه الجاني وذويه وعشيرته وأن وجود نص قانوني يؤكد أن كل فعل يقوم به الأشخاص يعد جريمة إذا كان يجرّمه القانون، مثالاً على ذلك فعل إزهاق روح إنسان، فإن القانون وصفه بأنه جريمة قتل وفقاً لأحكام المادة 405 وما بعدها، من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل.
وإذا كان فعل القتل تم بواسطة شخص واحد أو أشخاص فإنه فِعل قتل يعاقب عليه القانون، من دون الالتفات إلى ما إذا كان الفعل من جراء نزاع عشائري أم نزاع فردي، وهو جريمة يعاقب عليها القانون بعقوبات شديدة وكذلك فعل التهديد فإنه جريمة يعاقب عليها القانون، سواء قام شخص بعينه أو جماعة تمثل عشيرة أو أي تجمع بشري فإن الفعل يشكل جريمة يعاقب عليها القانون".
وكان العراق في وقتٍ سابق قد عدّ "الدكّات العشائرية" من الجرائم الإرهابية، مشدداً على ضرورة التعامل مع مرتكبيها بحزم، بحسب ما جاء في بيان لمجلس القضاء الأعلى في البلاد، والذي أوضح أنّ المادة الثانية من قانون مكافحة الإرهاب الذي أُقرّ في عام 2005 تنصّ على أن التهديد الذي يهدف إلى إلقاء الرعب بين الناس أياً كانت بواعثه، يعد من الأفعال الإرهابية".