في وقت تنشغل فيه السلطة اللبنانية بمحاولة إيجاد حلول للخروج من أزماتها السياسية والإقتصادية والإجتماعية والدبلوماسية، يواجه حاكم مصرف لبنان رياض سلامة تهماً يصعب التنصّل منها، كما تشتدّ المعارك السياسية بين القضاء اللبناني والمصارف.
وفي سابقة لافتة وخطيرة، وضعت المصارف في لبنان نفسها بوجه القضاء، ونفّذت إضراباً يومي الإثنين والثلاثاء 21 و22 مارس/ آذار، لتعود الأربعاء إلى العمل، وسط مخاوف من "إضراب مفتوح"، وذلك اعتراضًا على ما وصفته جمعية المصارف بـ"تعسّف القضاء"، في إشارة إلى سلسلة قرارات طالت أخيرًا عددًا من المصارف.
ويأتي ذلك بعدما أقفل القضاء بالشمع الأحمر أحد المصارف بفروعه كافة، وجمّد أصول أصحاب مصارف أخرى، ضمن قرارات قضائية صدرت في سياق قضايا تقدّم بها مودعون ممّن "احتُجِزت" أموالهم في المصارف اللبنانية.
تداعيات كبيرة
"إضراب المصارف له تداعيات كبيرة على السوق، وهو الذي تسبب بإرتفاع سعر صرف الدولار في اليومين الماضيين"، بحسب الخبير الإقتصادي البروفسور اللبناني جاسم عجاقة، الذي أكد لـ "جسور" أن "دور المصارف أساسي في منصة "صيرفة"، فغيابها أثّر على حجم التبادل على هذه المنصة، حيثُ انخفض من 90 مليون دولار إلى 26 مليون دولار في اليوم الواحد".
وأشار عجاقة إلى أن "هناك ارتفاعاً في أسعار النفط والسلع في العالم، ما يزيد من طلب التجار على الدولار، ويضعنا أمام سيناريوهين: الأول، عدم ارتفاع سعر صرف الدولار إن تمكن التجار من الحصول على الدولارات المطلوبة عبر منصة "صيرفة"، والثاني، إرتفاع سعر صرف الدولار في حال تعذر "صيرفة" عن تأمين الدولارات المطلوبة، ولجوء التجار عندها إلى السوق السوداء".
ختاماً، شدد عجاقة على أن "وضع القطاع المصرفي في لبنان صعب جدّاً، خصوصاً إذا استمرّت الملاحقات القضائية بهذا الشكل، وبغياب الحلول والإصلاحات، فالحكومة اللبنانية لم تتخذ أي إجراء تصحيحي على صعيد الإقتصاد أو المال أو القطاع المصرفي".
خطوات تصعيدية
وكانت جمعية المصارف في لبنان، قد لوّحت سابقاً باتخاذ خطوات تصعيدية في حال لم تعمد السلطات السياسية إلى وضع حد لما اعتبرته "التمادي الفاضح لممارسات الجهات القضائية المتتالية بحق المصارف اللبنانية كما حاكمية مصرف لبنان".
وفي 18 مارس/آذار الحالي، أصدرت رئيسة دائرة التنفيذ في بيروت القاضية مريانا عناني، قراراً قضى بإنفاذ الحجز التنفيذي على جميع أسهم وعقارات وموجودات "فرنسبنك" وفروعه وشركاته في لبنان، تمهيداً لطرحها في المزاد العلني، في حال عدم رضوخ المصرف وتسديده لكامل مبلغ وديعة تعود لأحد المواطنين.
والقرار دفع بالمصرف المذكور إلى إغلاق جميع فروعه في لبنان وعددها نحو 50 فرعاً.
أما المدعية العامة في جبل لبنان القاضية غادة عون، فادّعت على حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وشقيقه رجا، بجرمي الإثراء غير المشروع وتبييض الأموال.
استقلالية القضاء
وتزامناً مع الإجراءات القضائية، صدر عن مكتب رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي بيان جاء فيه: "الحرص على استقلالية القضاء وعدم التدخل في الشؤون القضائية، يوازيه الحرص على استقرار الأوضاع في البلد من النواحي كافة، ولا سيّما المالية".
وهو ما علقت عليه القاضية عون، في تصريح على وسائل التواصل الاجتماعي، بالقول "إن الحكومة تريد وضع آلية للتعاطي القضائي مع المصارف، مما يعني أنه يجب أن نعطيهم قوس المحكمة كي يجلسوا مكاننا ويُقرّروا عنا كيف يُطبّق القانون، من الممكن أن يطبقوا القانون على الذي يسرق دراجة، لكن أوعا (حذارِ) على الذي يسرق بلد".
وأضافت "يا قضاة لبنان انتفضوا لكرامتكم انتفضوا لسيادة القانون لحماية الضعيف ولحماية العدالة".