مع بدء العد العكسي للاستشارات النيابية لتسمية رئيس الحكومة اللبنانية، تتكثّف الاتصالات بين الأطراف السياسية في البلاد، فيما لا يزال الغموض يخيّم على المشهد الحكومي في ظل الإرباك الذي يعيشه معظم الكتل النيابية التي لم تستطع حسم مواقفها رغم المشاورات الحثيثة الرامية للتوصل الى أكثرية تستطيع إيصال مرشح الى سدة التكليف، في ظل حفاظ رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي على أسهمه المرتفعة وتصدّره لائحة المرشحين.
وفيما بات معلوما في لبنان أن كتلة حزب الله وكتلة حركة أمل التي يرأسها رئيس البرلمان نبيه بري، إضافة إلى عدد من النواب المستقلين من الطائفتين السنية والمسيحية، يدعمون إعادة تكليف ميقاتي، يبدو أن اسم السفير نواف سلام يطرح بشكل جدي في أوساط الكتل المعارضة، أبرزها كتلة "حزب الكتائب اللبنانية" و"كتلة حزب القوات اللبنانية".
"كلمة سرّ"!
وفي هذا الخصوص، تحدث المحامي والمحلل السياسي، أمين بشير، لافتا إلى أنّ ميقاتي يبقى المتربع على عرش الحكومة، مشيرا إلى أن الموضوع السياسي في لبنان هو فعلا بيد الخارج. وللأسف يقول بشير في اتصال مع "جسور" إن الشخصيات الجديدة التي دخلت المجلس النيابي ستأخذ دور "الكومبارس"، يوم الخميس المقبل، مؤكدا أن الأسماء التي تطرح غير الرئيس ميقاتي هي ليست جدية أبدا، وبالتالي اسم ميقاتي كان محسوما منذ البداية وفق بشير. ورأى أن ردود نواب التغيير والمستقلين حول موقفهم من التكليف عكست حالا من الإرباك والضياع والتخبط، ما دفعهم الى التهرب من الاطلالات الاعلامية والتصريح لتفادي الإحراج الذي يواجهونه، كما عكست أجواء الخلافات التي تسود داخل فريق قوى التغيير ومع المستقلين، وداخل القوى المستقلة نفسها، وبين قوى التغيير والمستقلين وبين القوات اللبنانية، موضحا انّ الاجواء السائدة في هذه اللعبة لا توحي حتى الآن بوجود شخصيّة يمكن اعتبارها منافساً جّدياً لميقاتي في استشارات الخميس، وربما يكون مرد ذلك الى انتظار "كلمة سرّ" تهمس بها "مصادر الوحي" الداخلية والخارجية. وضمن سياق هذه اللعبة، تعكس الوقائع المتلاحقة على مشهد الاستشارات، انّ الجسم النيابي منقسم على نفسه.
سلام إلى الواجهة!
وعاد إلى التداول اسم السفير السابق نواف سلام الذي سبق أن طرح في مرات سابقة، وذلك مع إعلان "حزب تقدم" الذي يتمثل في البرلمان عبر النائب مارك ضو، والنائبة نجاة صليبا، بأنه يدعم سلام، مستبقاً بذلك اتفاق "نواب التغيير" الـ13 (بينهم ضو وصليبا) على اسم مرشحهم، وهو ما طرح علامة استفهام، خصوصا في ظل المعلومات التي تشير إلى خلاف وانقسام فيما بينهم حول هذا القرار، رغم أن معظمهم يدعمون تسمية سلام، وهو ما أشار إليه أحد نواب التغيير رامي فنج، قائلاً في حديث صحافي: "نتواصل بشكل مستمر كتكتل تغييريين، وسنحسم الموقف في الساعات المقبلة متماسكين ومتضامنين، وقد نذهب باتجاه ترشيح نواف سلام". وفي بيان له أعلن حزب "تقدم" أنه سيسمي نواف سلام لرئاسة الحكومة "لأنه يمتلك النزاهة والشفافية، والقدرة المطلوبة للعمل والمواجهة وليس لديه مصالح مع شبكة المحاصصة والفساد".
الكتائب والاشتراكي
وفي الاتجاه نفسه، قال نائب رئيس حزب "الكتائب اللبنانية"، النائب سليم الصايغ، في حديث تلفزيوني: "ندعم خيار نوّاف سلام كمرشّح جديد ومستقلّ وشفّاف وغير منخرط في اللّعبة السياسية الداخلية"، داعيا "كلّ الكتل للالتفاف الفعليّ حول اسم جديد عوضاً عن الاكتفاء بشعارات تغييرية ضد المنظومة وليتحمّل كلّ أحد مسؤوليته". وبعدما كان كل من "حزب القوات اللبنانية" و"الحزب التقدمي الاشتراكي" قد أعلنا التنسيق والعمل سويا في استحقاق تسمية رئيس للحكومة، تتجّه الأنظار إلى القرار الذي سيتخذه الطرفان في ظل المعلومات التي تشير إلى أنهما قد لا يتفقان على مرشح واحد، بحيث أنه قد يتجه "القوات" لتسمية سلام، فيما قد يدعم "الاشتراكي" ميقاتي. هذا الأمر تحدث عنه النائب في "القوات" فادي كرم قائلا: "في حال لم يكن هناك اتفاق موحد مع الاشتراكي ونواب التغيير والمستقلين قد يكون هناك تمايز بموقفنا عن الحزب الإشتراكي". من جهته، قال النائب في "الاشتراكي" هادي أبو الحسن في حديث إذاعي "لا شيء محسوما بعد في تسمية رئيس الحكومة"، مشيرا إلى أنّ "الاتصالات مع الحلفاء قد تحتاج إلى التواصل حتى الربع ساعة الأخير"، معلنا أن كتلة الاشتراكي النيابية ستعقد اجتماعا يوم غد للبحث في هذا الموضوع.
وبناء على كل ما تقدم، المرحلة في رأي مراقبين سياسيين وديبلوماسيين مستقلين تستدعي الارتقاء الى مستوى اعلى لمواجهة المخاطر التي تُحدق بالوطن وكيانه وثرواته في زمن افتقد اللبنانيون أبسط مقومات العيش ويحتاجون الى مَن يتطلّع الى طريقة الخروج من النفق المظلم الذي دخله لبنان وإعطاء الاهمية للاستحقاق المقبل، ألا وهو انتخاب رئيس جديد للجمهورية.