بعد مرور عامين على أكبر إنفجار هزّ بيروت وضواحيها، ما تزال التحقيقات تراوح مكانها وما من بوادر تقدُّم تلوح في الأفق، في بلد تسوده ثقافة الإفلات من العقاب وتجنّب المساءلة.
سياسيّون مشتبه بتورّطهم في القضية، قدّموا 25 طلبًا لإقالة القاضي اللبناني طارق بيطار الذي يقود التحقيق، وعزل غيره من القضاة المشرفين على القضية، مما تسبّب في تعليق مجريات التحقيق مرارًا وتكرارًا أثناء الفصل في القضايا.
وآخر سلسلة من الطعون القانونيّة المقدّمة ضد القاضي بيطار أدّت إلى تعليق التحقيق منذ 23 ديسمبر/كانون الأول 2021.
لكن في المقابل، هناك 11 منظمة حقوقية، لبنانية ودولية، من ضمنها "هيومن رايتس ووتش"، دعت في الذكرى السنوية الثانية على الإنفجار، أعضاء مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة إلى طرح قرار في دورة المجلس المقبلة في سبتمبر/أيلول 2022 من شأنه أن يوفد من دون تأخير، بعثة مستقلّة ومحايدة لتقصّي الحقائق في الانفجار كي تحدّد الحقائق والملابسات، بما في ذلك الأسباب الجذرية له، بغية تحديد مسؤولية الدولة والأفراد ودعم تحقيق العدالة للضحايا.
لجنة تقصّي حقائق
في هذا الصدد، أشار أهالي ضحايا انفجار مرفأ بيروت، من أمام السفارة الفرنسية، الخميس، إلى أنه "لدى فرنسا فرصة للوقوف إلى جانب الأهالي عبر طلب إنشاء لجنة تقصّي حقائق".
وطالب الأهالي، وزير المال في حكومة تصريف الأعمال يوسف الخليل، بـ"الافراج عن التشكيلات القضائيّة وفرض غرامات باهظة على معطّلي العدالة، وإسقاط الحصانات فورًا، والعمل على إنشاء لجنة تقصّي حقائق في الأمم المتحدة".
ثم لفتوا، من أمام قصر العدل، الى أن "سنتين مرّتا على مجزرة العصر في ظل غياب العدالة التي هي حق للشعب اللبناني وأساس استعادة القضاء والدولة"، واعتبروا أن "الضغط الشعبي فضح المناورات، ونحن مستمرّون لتحقيق العدالة والمحاسبة".
وتلوا كلماتهم بلغات مختلفة آملين بوصولها إلى أكبر عدد من الدول حول العالم، علّهم ينالون دعمها في مطالبهم، خصوصًا في موضوع إنشاء لجنة تقصي حقائق دولية، حيث أنه، وبحسب المحامي رالف طنوس، "كلّما تعاونت السفارات أكثر مع الأهالي، كلما زاد احتمال موافقة الأمم المتحدة على هذه اللجنة وكلما سارعت بإنشائها".
زيارة 60 سفارة
وقال طنوس في حديث لـ"جسور"، "ستبدأ زيارات الأهالي إلى السّفارات في لبنان، حيثُ من المقرّر زيارة أكثر من 60 سفارة خلال فترة قصيرة"، مؤكدًا أن "أهالي الشهداء ليسوا بحاجة إلى موافقة السلطة والحكومة على إنشاء هذه اللجنة، لأن هذا الأمر تقرّره الأمم المتحدة وحدها وفقًا للبند السابع من ميثاقها، وذلك بعد النظر بالطلبات التي تصلها من دول عدة حول العالم".
كما ذكر أن "التحقيق المحلّي سيبقى بيد القاضي بيطار حتى ولو أُنشأت هذه اللجنة، لأن دورها يقتصر على تقصي الحقائق ومراجعة المستندات الموجودة بين أيدي القاضي والأهالي والإعلام وكل موقع رسمي، من أجل معرفة كيف وصلت أطنان النيترات إلى مرفأ بيروت وإلى من تعود ومن فجّرها وكيف ولماذا، من دون إدانة أحد أو إصدار أحكام ومذكرات توقيف بحق أحد، إلّا إذا قرّرت الحكومة المقبلة تبنّي تحقيقات اللجنة رسميًّا أو نقلها إلى محكمة دولية".
وشدّد على أن "السلطة تعرقل إنشاء هذه اللجنة، لأن كشف الحقائق لا يناسبها بأي شكل من الأشكال".
توقّف التحقيقات
في سياق آخر، أشار طنوس إلى أن "التحقيق المحلي متوقّف اليوم بسبب كثرة الطعون المقدّمة ضد القاضي بيطار وعدم اكتمال الهيئة العليا لمحكمة التمييز، وعدم الإفراج عن التشكيلات القضائية التي ردّها وزير المال إلى مجلس القضاء الأعلى منذ حوالي الشهر والنصف باعتبار أنها يجب أن تكون مناصفة بين المسيحيين والمسلمين وهي ليست كذلك، لكن مجلس القضاء الأعلى عاد وأنجزها بالشكل المطلوب وأرسلها للوزير مجددًا، إلّا أنه لم يوقعها حتى الآن، والتحقيق متوقف بسببه".
وتابع: "بعد توقيع وزير المال، على رئيس الجمهورية أن يوقّعها، ثم تصبح الكرة في ملعب محاكم الإستئناف التي عليها أن تنظر في الطعون المقدمة ضد القاضي بيطار، وبعد ذلك يعود القاضي على عمله في الملف".
تدخّل سياسي صارخ
وكان الناجون من الانفجار وعائلات الضحايا قد أرسلوا في وقت سابق رسالتين إلى الدول الأعضاء والدول المراقبة في مجلس حقوق الإنسان لحثهم على دعم قرار بإنشاء مثل هذا التحقيق الدولي.
ولم يتم الرد بعد على رسالة أخرى أرسلت إلى المفوضة السامية لحقوق الإنسان في مارس/آذار 2022.
يذكر أن انفجار مرفأ بيروت هو أحد أكبر الانفجارات غير النووية في تاريخ العالم، وتسبّ في ارتدادات هزّت المدينة، مما أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 220 شخصًا، وإصابة أكثر من 7000 آخرين، وإلحاق أضرار جسيمة بالممتلكات.
وقد أشار تحقيق أوّلي أجرته "هيومن رايتس ووتش" إلى تورّط محتمل لشركات مملوكة لأجانب، فضلاً عن عدد من كبار المسؤولين السياسيين والأمنيين في لبنان.
ووثّقت هيومن رايتس ووتش، ومنظمة العفو الدولية، وجمعية الحركة القانونية العالمية، والمفكرة القانونية، ولجنة الحقوقيين الدولية مجموعة من العيوب الإجرائية والمنهجية في التحقيق المحلي، بما في ذلك التدخل السياسي الصارخ، وحصانة مسؤولين سياسيين رفيعي المستوى، وعدم احترام معايير المحاكمة العادلة، وانتهاكات الإجراءات القانونية الواجبة.