رغم مرور ثلاث سنوات ونصف على توقيع وثيقة الاخوة الانسانية في الرابع من شهر شباط/فيراير 2019 في أبوظبي من قبل البابا فرانسيس وشيخ الازهر الامام الدكتور احمد الطيب ، فانها لا تزال محور نقاشات ودراسات العديد من مراكز الدراسات والابحاث المعنية بالحوار والمواطنة ومواجهة العنف والتطرف .
وفي هذا الاطار، اقام مركز تموز للدراسات والتكوين على المواطنة ومؤسسة أرض المبدعين مؤتمرا اقليميا في مركز لقاء لحوار الحضارات في الربوة (انطلياس) شمالي بيروت وذلك يومي الجمعة والسبت في السادس والعشرين والسابع والعشرين من شهر أب/ اغسطس الحالي بحضور حشد من الشخصيات الفكرية والدينية والتربوية والاعلامية ووفد طالبي كبير وعدد من الاكاديميين العرب .
وكان عنوان المؤتمر : وثيقة الاخوة الانسانية – الدين في الفضاء العمومي، وبعد جلسة الافتتاح والتي تحدث فيها كل الدكتور ادونيس عكرة باسم مركز تموز والاستاذ كمال بكاسيني باسم مؤسسة أرض المبدعين والدكتور حنا الحاج منسق الورشة والقيّم البطريركي للروم الملكيين الكاثوليك الاستاذ انطوان شار، توالت البحوث والدراسات حول عناوين مختلفة ومنها: ترسيم الحدود وتكاملها بين الفضاء العمومي وفضاء الدولة للدكتور ادونيس عكرة، التسامح والتنوع والانصهار للاب البروفسور جورج حبيقة الرئيس الفخري لجامعة الروح القدس – الكسليك ، وحدود التسامح والاعتراف بالحق في الاختلاف للدكتور الطاهر بن قيزة من تونس ، كما تحدث الشيخ الدكتور محمد النقري والاب نعمة صليبا حول التفسير الجديد للنص الديني من منظور الفقه الاسلامي واللاهوت المسيحي، وعن تحرير المؤمن وتحرر المواطن من التعصب الديني تحدث كل من الدكتور خالد عليوي العرداوي من العراق والدكتور سمير خوري، في حين تحدث عن التربية والاعلام والتعليم ووثيقة الاخوة الانسانية كل من الدكتور نمر فريحة والاعلامي روني ألفا، وكانت كلمة الختام لممثل رئيس الجمهورية اللبنانية النائب الاب الدكتور ادغار طرابلسي حول الدين في خدمة الانسان والمجتمع .
وتميّز المؤتمر بحوارات صريحة ومناقشات هامة حول ابعاد الوثيقة وما حققته عمليا والمشاكل التي تواجه عملية تطبيق المفاهيم التي تضمنتها والبرامج العملية والتنفيذية لتحويل هذه المفاهيم الى واقع عملي ولا سيما حول مختلف قضايا الانسان المعاصر ومواجهة الظلم والفساد والعنف والتطرف وعدم الاعتراف بالاخر .
ورغم اهمية النقاشات والحوارات التي دارت في المؤتمر والافكار العملية التي قدمت خلالها من أجل اعادة تفعيل هذه الوثيقة على ارض الواقع بعد مرور اكثر من ثلاث سنوات ونصف على صدورها، فالملاحظ انه غاب عن هذا المؤتمر الجهات المعنية بتوقيع الوثيقة من سفارة الفاتيكان او ممثلي مشيخة الازهر او سفارة الامارات العربية المتحدة، او اللجنة اللبنانية المشتركة المعنية بمتابعة الوثائق الصادرة عن الازهر الشريف المعنية بالمواطنة والتنوع، كذلك غياب معظم المؤسسات والجهات التي عملت سابقا على متابعة الوثيقة واعداد الدراسات حولها من جامعات وكليات معنية بالحوار الاسلامي – المسيحي، ويضاف الى هذه الاشكالية عدم اعداد دراسات عن الجوانب التطبيقية والعملية التي تم تنفيذها خلال السنوات الاخيرة حول الوثيقة، مع ورود بعض المعطيات في بعض المحاضرات التي القيت وخصوصا على الصعيد الاعلامي من قبل الاعلامي روني الفا.
لكن رغم هذه الملاحظات النقدية على هذا المؤتمر الهام فانه يظل يشكل خطوة مهمة في اعادة النقاش والحوار حول وثيقة الاخوة الانسانية على الصعيد العملي وفي المجالات الاعلامية والتربوية والجامعية والاكاديمية والسياسية كافة، كما ان انعقاده في لبنان رغم الاوضاع الصعبة التي يواجهها اللبنانيون بسبب الظروف السياسية والاقتصادية والمعيشية يشكل رسالة هامة بأن لبنان يظل مركزا للحوار الاسلامي- المسيحي وفضاء حرا للتفكير في الاشكاليات التي يواجهها الانسان اليوم ولا سيما بسبب التعصب الديني وانتشار العنف والتطرف.
وقد تزامن هذا المؤتمر مع تشكيل لبنان هيئة التنسيق الرسمية لاقامة اكاديمية الانسان للتلاقي والحوار والتي اطلقها الرئيس اللبناني العماد ميشال عون قبل سنوات ولقيت دعما دوليا من قبل الامم المتحدة ، وسيتولى متابعة التنسيق والتنفيذ العملي مستشار رئيس الجمهورية لشؤون الحوار الاستاذ ناجي خوري ، وهذه خطوة مهمة في المسار الصحيح.
وهاتان الخطوتان، انعقاد المؤتمر الاقليمي حول وثيقة الاخوة الانسانية وبدء تنفيذ قرار انشاء اكاديمية الانسان للتلاقي والحوار، رسالة لبنانية واضحة بان لبنان سيبقى اكثر من وطن بل هو رسالة للحوار كما عبر البابا يوحنا بولس الثاني، وان الحوار والتلاقي والتنوع والمواطنة هو خيارنا الوحيد في مواجهة كل الازمات الداخلية والخارجية .