لم يمنع الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي المستمر منذ عقود، عشرات آلاف الفلسطينيين من محاولتهم إيجاد فرص عمل داخل إسرائيل، إلّا أن الأمر مرهون بالموافقة الإسرائيلية.
وقبل سيطرة حركة حماس على السلطة في عام 2007 والحصار الإسرائيلي، كان حوالى 120 ألف فلسطيني من غزة يعملون في إسرائيل، لكن بعد تفرّد حماس بالسيطرة على غزة، "لم تعد هناك فرص عمل"، وفق أحد المواطنين.
إلّا أنه في عام 2019، سمحت إسرائيل مرة أخرى لسكان غزة بالعمل فيها شرط أن تتجاوز أعمار الرجال العاملين 26 عاما وأن يكونوا متزوجين ومستوفين للمعايير الأمنية (على الأرجح غير مشتبه بارتباطهم بعمليات أو هجمات ضد إسرائيل).
لكن إثر تفشي كوفيد-19، أغلقت إسرائيل معبر بيت حانون أمام العمال لنحو عام ونصف العام لاحتواء الوباء. وخلال الأشهر الأخيرة، أعطت السلطات الإسرائيلية 120 ألف تصريح جديد، معظمها لمدة ستة أشهر قابلة للتجديد.
ويعيش في قطاع غزة 2,3 مليون فلسطيني، وتتجاوز نسبة البطالة فيه 50 في المئة، ويبلغ معدل الفقر حوالى 60 في المئة.
ويعمل معظم العمال القادمون من غزة داخل إسرائيل في قطاعات الزراعة والبناء والسياحة، ويتلقون أجورا تتراوح بين 70 دولارا ونحو 250 دولارا في اليوم، بحسب كفاءاتهم والساعات الإضافية، أي ما يعادل خمسة أضعاف ما يتلقاه العامل في غزة.
باب الجنة
وحين حصل حسين على تصريح للعمل داخل إسرائيل، لم يتردّد لحظة بتعليق حلمه الوشيك بالحصول على درجة الماجستير في العلاقات الدولية التي كان سيحصل عليها من إحدى جامعات غزة، آملا في تحقيق حياة كريمة لعائلته.
ويقول الشاب حسين (38 عاما) الذي اكتفى بذكر اسمه الاول، "شعرت أن باب الجنة فتح أمامي. اخترت العمل وتركت الدراسة".
ويروي لوكالة "فرانس برس" أن "الحظ لم يحالفني بالحصول على فرصة عمل في قطاع غزة بعد تخرجي من الجامعة وحصولي على شهادة البكالوريوس في العلاقات العامة، ما دفعني للالتحاق بالجامعة مجددا للحصول على درجة الماجستير لأزيد من فرص الحصول على وظيفة حكومية أو في مؤسسة خاصة".
ويشرح حسين الذي يعيل زوجة وثلاثة أطفال "كنت عاطلا عن العمل لسنوات، وكنت على وشك مناقشة رسالة الماجستير للتخرّج، لكنني كنت بحاجة لمبلغ 3500 دولار أميركي لتسديد ديون متراكمة للجامعة حتى تتسنى لي مناقشة الرسالة".
وخرج حسين من قطاع غزة المحاصر منذ العام 2007، وبدأ منذ شهرين بالعمل مساعدا لتاجر في توزيع مواد تموينية بالجملة في مدينة يافا بالقرب من تل أبيب. ويقول "هذه فرصة لتحسين دخلي وتحقيق حلم إكمال الماجستير والدكتوراه لاحقا".
لقمة العيش
من جهته، يقول محمود (40 عاما) الذي يحمل شهادة في الخدمة الاجتماعية، إنه حصل على تصريح أخيرا للعمل داخل إسرائيل، فبدأ العمل في مطعم في مدينة هرتسيليا شمال تل ابيب. وكان عمل لسنوات في منظمات دولية في غزة، قبل أن يصبح عاطلا عن العمل.
ومحمود أب لثلاثة أطفال. ويقول "أحصل على أجرة يومية في هرتسليا تصل الى 170 دولارا مع الساعات الإضافية".
وكل يوم، وقبل بزوغ الشمس، تكتظ صالة الانتظار في المعبر الحدودي بين القطاع وإسرائيل بمئات العمال الفلسطينيين.
يقف عبد السلام علوان (58 عاما) ذو الشعر الأبيض، في إحدى زوايا الصالة. ويقول لـ "فرانس برس" "نعمل من أجل لقمة العيش. أريد أن أكون قادرا على دفع ثمن تفاحة أو موزة لابني أو حفيدي عندما يطلبان".
في الجانب الفلسطيني من المعبر، ينتظر كمال حمادة (65 عاما) الحافلة التي ستقله مع آخرين إلى إسرائيل بعد حصوله قبل شهرين على إذن مدته ستة شهور. ويقول إنه اضطر للعمل "في قطاع البناء رغم أنني أعاني من مرضي السكر والقلب".
ويحمل الأب المسؤول عن 15 فردا في العائلة، أدويته معه.
عمل دون تأمين
وتشير منظمة "خط العامل" إلاسرائيلية الى أن التصاريح الممنوحة لسكان غزة تحمل اسم "ظروف اقتصادية" أو "تاجر" ولا تحمل صفة العامل، مبينة أنه في هذه الحالة، لا يكون العامل مؤمنا من الحوادث، إلا إذا اتخذ صاحب العمل الخطوات اللازمة لذلك، و"هو أمر نادرًا ما يحدث".
ودعا نقيب العمل سامي العمصي إسرائيل إلى استخدام صفة عامل في التصاريح التي تمنحها للعمل. وقال إن عاملا من غزة "توفي قبل عدة أسابيع على إثر حادثة دهس تعرض لها خلال عمله في مدينة تل أبيب، ولم تحصل عائلته على أي تعويض".
رغم ذلك، يقول أدهم (35 عاما) الذي يحمل ثلاث شهادات في الصحة العامة والمعلوماتية، إنه مستعد للعمل في أي مجال "في مطعم أو سوبرماركت أو مصنع".
ومن بين المتقدمين للعمل داخل إسرائيل، مصوّر صحافي فضّل التعريف عن نفسه بلقب أبو عدي (38 عاما). ويقول "أعمل بالقطعة منذ 15 عاما، لكنني لا أحصل على دخل جيد إلا أثناء العمل في الحرب".