انزلق الوضع في العراق الاثنين بطريقة دراماتيكية إثر نزول مئات المواطنين من أنصار السيد مقتدى الصدر إلى الشارع واقتحامهم مقرات رسمية في المنطقة الخضراء أبرزها القصر الحكومي والقصر الرئاسي، تعبيراً عن سخطهم من إعلان زعيمهم اعتزال العمل السياسي.
وتفاقمت الأمور مع اندلاع اشتباكات دموية بين أنصار الصدر وأطراف عراقية مسلحة أسفرت عن سقوط عدد من الضحايا معظمهم من أنصار الصدر إضافة إلى مئات الجرحى ما استدعى تدخلاً للقوى الأمنية التي فرضت حظراً عاماً للتجول لم يلتزم به تماماً أنصار التيار الصدري، بل تابعوا اعتصامهم في المنطقة الخضراء إلى أن طلب منه زعيمهم في مؤتمر عقده اليوم الخروج منها وفض الاعتصام.
ومع عودة الهدوء الحذر إلى شوارع العراق، تواصلت "جسور" مع اثنين من المحللين العراقيين وبدا لافتاً، رغم التباين في آرائهما، اجماعهما على تحميل النظام الطائفي الذي تم إرساؤه أخيراً مسؤولية النزاعات في العراق.
تراكمات وانقسامات
المحلل السياسي الناصر الدريد، أشار في حديث لـ"جسور" الى أن الأمور لم تنفجر فجأة "بل ساهمت التراكمات، منذ تظاهرات تشرين، في سحب الشرعية من الطبقة الحاكمة بعد أن أثبتت عجزها عن إيجاد حلول لمشاكل بلد مثل العراق".
ويعتبر الدريد أن زعيم التيار الصدري وإن حاول التمايز عن الطبقة الحاكمة إلا أنه جزء منها "أصبحت هذه الطبقة مقسومة إلى قسمين، قسم يعتقد أن عليه التحرك ليجدد الشرعية لنفسه عبر اثبات انتمائه للشارع المعارض لينفي علاقته بالطبقة السياسية، ويتمثل هذا القسم بالسيد مقتدى الصدر، وقسم قرر المضي بأسلوبه ومتابعة سياسته في السيطرة على مفاصل البلاد".
في المقابل، أوضح المحلل السياسي أن "الشعب لم يدخل حتى الآن إلى حلبة الصراع بل بقي في عداد المتفرجين" مؤكداً أن الصدر لن يكسب دعمه رغم "ولادة تعاطف من قبل النخب المثقفة ومفكري البلاد والأصوات الحرة مع السيد مقتدى الصدر" كما أردف.
شخصية فريدة
ويرى الدريد في السيد مقتدى الصدر "شخصية فريدة تحكمها جملة من التناقضات، كونه يشارك فيما يحدث لكنه يحاول إقناع نفسه بأنه مختلف عن الآخرين وأنه ضد الفساد وضد الطائفية".
واستطرد في تحليل شخصية الصدر بالقول "إنه لا يملك خطة واضحة بل يسير بطريقة ردة الفعل لذلك عجز عن حسم المعركة ضد خصومه من الإطار التنسيقي رغم قدرته على ذلك".
دور إيران
بدورها، حاولت إيران استقطاب الصدر، وفقاً للدريد، لكنها اصطدمت بشخصيته المتقلبة "إيران تعد الطرف الوحيد الذي يحاور الصدر من أجل التوصل معه إلى صيغة معقولة في الحكم بعد أن اثبتت القوى الموالية لها عجزها عن الامساك بزمام الأمور" لكن المفاوضات معه لم تؤدِ إلى نتيجة مرضية "لأن الصدر مليء بالأفكار الثأرية ضد خصومه ويريد القضاء عليهم فيما ترغب إيران بأن يقوم باستيعابهم".
التصعيد
المشهد كما يراه المحلل السياسي العراقي محمد علي الحكيم في حديث لـ”جسور” لا يقل سوداوية، إذ اعتبر في اتصال مع "جسور" أن "الأمور تتجه نحو التصعيد لأن الطرفين يعتمدان سياسية لي الأذرع وكسر العظام، فالإطار التنسيقي والتيار الصدري يعتبران أن أي تراجع من قبلهما سيؤدي إلى خسارة لجمهورهما".
واعتبر ان البرلمان الحالي "فاقد للشرعية لأن دستورنا مجهول ولا يلحظ أي خطوات بعد شهر على عدم انتخاب رئيس”.
3 سيناريوهات
ورجح الحكيم وجود ثلاثة سيناريوهات للمرحلة المقبلة "الأول حل الرئاسات الثلاث وتشكيل حكومة طوارئ برئاسة رئيس الوزراء الحالي مصطفى الكاظمي وبدعم من مجلس الأمن والأمم المتحدة وسيصب في صالح الصدر".
السيناريو الثاني "يقوم على حل البرلمان والذهاب إلى انتخابات مبكرة" لكنه "يبقى رهن الشروط المتضاربة التي يفرضها كلا الطرفين المتصارعين".
وأوضح الحكيم أن الإطار يطالب "بتغيير قانون الإنتخابات والمفوضية وبالإتيان برئيس وزراء جديد يقوم بإجراء الانتخابات" فيما يطالب الصدر "بحل البرلمان والذهاب إلى انتخابات مبكرة من دون تغيير القانون الانتخابي الحالي كونه يصب لصالحه".
ويتمثل السيناريو الثالث، وفقاً للحكيم "في الذهاب إلى المجهول" معتبراً أن هذا "الخيار لا تحمد عقباه وسيحرق الأخضر واليابس وسيندم عليه الجميع".
ويذكر أن العراق يعاني من شلل في مؤسساته الرسمية منذ ما يزيد عن العشرة أشهر، إذ عجز البرلمان الجديد عن انتخاب رئيس للجمهورية كما ينص عليه الدستور ولم ينجح أطراف السلطة في الاتفاق على شكل الحكومة العتيدة، فالصدر الذي اكتسح تياره غالبية المقاعد البرلمانية، يصر على حكومة أغلبية، فيما يطالب الإطار التنسيقي بحكومة وحدة وطنية.