"الله ينجّينا من الأخطر"، باتت هذه العبارة جزءًا من أحاديث اللّبنانيّين اليوميّة مع تفاقم الأوضاع المعيشيّة والاقتصاديّة في البلاد. لكن ما هو الأخطر؟ بعد التوتّرات الأمنيّة الأخيرة في الرّابع عشر من أكتوبر الماضي في الطيّونة، بات المواطنون يتخوّفون من تصعيد أمنيّ في الشارع بعدما عادت إلى أذهانهم مشاهد الحرب الأهليّة المقيتة عام 1975.
لم يقتصر الامر على مجرّد شعور انتاب مواطنين يعيشون في بلد غير مستقر على مختلف الأصعدة، بل تحوّل إلى واقع جديّ. معطياتٌ أمنيّة داخليّة وخارجيّة تحذّر من عودة سيناريو الاغتيالات من جديد إلى الساحة اللّبنانيّة خلال الفترة المقبلة لدرجة أنّ بعض الدول تدعو رعاياها الموجودين على الأراضي اللّبانيّة إلى التنبّه وأخذ الحيطة والحذر.
اللّافت أنّ هذه التسريبات الأمنيّة تمرّ من دون أيّ تعليق لبنانيّ رسميّ مطمئن، وهذا ليس مستغربًا ما دام المسؤلون أنفسُهم يحذّرون من تدهور الأوضاع الأمنيّة.
اللّافت أنّ هذه التسريبات الأمنيّة تمرّ من دون أيّ تعليق لبنانيّ رسميّ مطمئن، وهذا ليس مستغربًا ما دام المسؤلون أنفسُهم يحذّرون من تدهور الأوضاع الأمنيّة.
توتر أمني
عتمة شبه شاملة في مختلف الشوارع، وضعٌ معيشيّ متأزّم لم يشهد لبنان له مثيلًا، توتّر أمنيّ محتمَل في أي لحظة في ظلّ احتقان بلغ ذروته بعد أحداث الطيونة ولم ينتهِ مع انتهائها بل استمرّ عبر تراشق الاتّهامات والمسؤوليّات بين الأطراف السياسيّة.
إنّه توصيفٌ لا يدعو إلّا إلى القلق خصوصًا مع تزايد نسبة السّرقات في الأشهر الماضية. وهذا ما تحذّر منه باستمرار "الدوليّة للمعلومات" استنادًا إلى تقرير أعدّته في أوائل العام الحالي. ويُظهر التّقريرُ أنّه بين شهرَي كانون الثاني/ يناير وشباط / فبراير فقط سجّلت السرقات ارتفاعًا بنسبة 144%، أمّا جرائم القتل فازدادت بنسبة 45%.
إنّه توصيفٌ لا يدعو إلّا إلى القلق خصوصًا مع تزايد نسبة السّرقات في الأشهر الماضية. وهذا ما تحذّر منه باستمرار "الدوليّة للمعلومات" استنادًا إلى تقرير أعدّته في أوائل العام الحالي. ويُظهر التّقريرُ أنّه بين شهرَي كانون الثاني/ يناير وشباط / فبراير فقط سجّلت السرقات ارتفاعًا بنسبة 144%، أمّا جرائم القتل فازدادت بنسبة 45%.
الفوضى الشاملة
منذ بداية العام حتّى اليوم، الغلاء يزداد وارتفاع سعر الدولار وصل إلى أعلى مستوياته منذ عام 2019 من دون اتّخاذ أيّ خطوة إصلاحيّة ممكنة، ما يرفع منسوب التخوّف من ارتفاع نسبة الجرائم على أنواعها والانتقال إلى مرحلة الفوضى الشاملة في الفترة المقبلة. قبل أشهر كان تعثّر تأليف الحكومة محفّزا للّا استقرار، ولكن المقلق اليوم أنّ الحكومة التي وعدت أنّها ستكون حكومة إنقاذيّة باتت هي نفسها مُهدّدة بالزوال بسبب تعطيل الثنائي الشيعي جلسات مجلس الوزراء احتجاجًا على استداعاءات المحقق العدلي طارق البيطار في ما يتعلّق بتحقيقات انفجار المرفأ. وما زاد الطين بلّة، الأزمةُ الديبلوماسيّة الأخيرة بين لبنان والمملكة العربيّة السعوديّة وعدد من دول الخليج على خلفيّة تصريح تلفزيونيّ لوزير الإعلام اللّبناني جورج قرداحي المرتبط بالحرب في اليمن.
عودة الاغتيالات
إذًا بحكومة أو بدونها، لم يتبدّل المشهدان السياسيّ والأمني لا بل ازدادا تفاقمًا. في هذا السياق يحذّر وزير الداخليّة الاسبق مروان شربل في حديث لـ "جسور" من أنّ التعطيل المستمر لعمل الحكومة وتعذّر حصول المواطنين على أبسط حقوقهم واتّساع الهوّة بين طبقات المجتمع الواحد، كلّها عوامل ستؤدّي حتمًا إلى انفجار اجتماعي وتفلّت أمنيّ في مختلف المناطق اللّبنانيّة ويشير إلى أنّ هذا المشهد سيشكّل ارضيّةً خصبةً لعودة الاغتيالات إلى لبنان إمّا من خلال تصفية المستهدفين بكاتم للصوت بالطريقة نفسها التي اغتيل بها الصحافي لقمان سليم مطلع العام الحالي أو تصفيتهم عبر تفجير عبوّة ما قد يودي أيضًا بجياة مواطنين آخرين كما حصل عند اغيال الرئيس رفيق الحريري عام 2005 وإمّا من خلال طائرات مسيّرة على غرار محاولة اغتيال رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي قبل أيّام.
ويضيف شربل إنّ المعطيات كلّها تدل إلى أنّ الوضع الأمني متّجه إلى الأسوأ لكنّه يشدّد على أنّ المؤشرات تُظهر أنّ الاغتيالات في حال حصولها لن تُنفَّذ قريبًا بل بعد فترة في حال استمرّ الوضعُ على حاله. وذلك من منطلق أنّ الوضع سيّئ لكنّ ضبطه لا يزال ممكنًّا إن حكّم المسؤولون ضميرهم وابتعدوا عن النزاعات غير المجديّة، أمّا في حال استمرّت حرب الخطابات وتعزيز النعرات الطائفيّة فإنّ الفوضى ستكون مصير لبنان وعندها ستستيقظ الخلايا الإرهابيّة النائمة وتعاود نشاطها من دون أيّ رادع ويصبح البلد مكشوفًا أمنيًّا بكل ما للكمة من معنى. من هنا، يوضح شربل أنّ ما من حلول واضحة يمكن اتّباعها لتجنّب وقوع اغتيالات إلّا من خلال التّفاهم بين الأفرقاء السياسيّين وتخفيف حدّة خطاباتهم وتصريحاتهم لأنّ هذا التوتّر اللّفظي ينعكس تلقائيًّا على التوتّرات في الشّارع.
ويضيف شربل إنّ المعطيات كلّها تدل إلى أنّ الوضع الأمني متّجه إلى الأسوأ لكنّه يشدّد على أنّ المؤشرات تُظهر أنّ الاغتيالات في حال حصولها لن تُنفَّذ قريبًا بل بعد فترة في حال استمرّ الوضعُ على حاله. وذلك من منطلق أنّ الوضع سيّئ لكنّ ضبطه لا يزال ممكنًّا إن حكّم المسؤولون ضميرهم وابتعدوا عن النزاعات غير المجديّة، أمّا في حال استمرّت حرب الخطابات وتعزيز النعرات الطائفيّة فإنّ الفوضى ستكون مصير لبنان وعندها ستستيقظ الخلايا الإرهابيّة النائمة وتعاود نشاطها من دون أيّ رادع ويصبح البلد مكشوفًا أمنيًّا بكل ما للكمة من معنى. من هنا، يوضح شربل أنّ ما من حلول واضحة يمكن اتّباعها لتجنّب وقوع اغتيالات إلّا من خلال التّفاهم بين الأفرقاء السياسيّين وتخفيف حدّة خطاباتهم وتصريحاتهم لأنّ هذا التوتّر اللّفظي ينعكس تلقائيًّا على التوتّرات في الشّارع.
من هم المهدَّدون؟
لا يمكن التكهّن من سيكون المستهدفون، لكنّ شربل يؤكّد لـ"جسور" أنّ مجموعة من المسؤولين اللبنانيين رفيعي المستوى تلقّوا تهديدات متتالية وتنبيهات أمنيّة بضرورة حماية أنفسهم من خلال تكثيف المواكبة الأمنيّة والحدّ قدر المستطاع من تنقّلاتهم أو أقلّه الامتناع عن إعلان تحرّكاتهم مسبقًا. وأضاف شربل إنّ في طروف كهذه تستهدف الاغتيالات شخصيّات سياسيّة يكون تغييبُها قادرًا على إحداث تغيير جذريّ في المشهد السياسي خصوصًا من يكون موقفهم السياسي له ارتدادات فعليّة على المستوى الإقليميّ أيضًا.
الأخطر أنّ الحديث عن عودة الاغتيالات يتزامن وفرار عدد من عناصر الأجهزة الأمنيّة بعدما فقدت روابتهم قيمتها وبعدما بات العنصر الأمني يُنفق على تنقّلاته من مكان إقامته إلى مكان خدمته مبالغ تفوق قيمة راتبه. مصادرُ أمنيّة توضح لـ"جسور" أنّه تفاديًا لهروب عناصر إضافيّة ارتأت القيادات الأمنيّة تقليص دوام العناصر خصوصًا وأنّ عددهم يتضائل سنويًّا فلم يعد انتشارهم بكثافة في مختلف الطرقات أمرًا ممكنًا كما كان في السنوات الماضية ولا تُخفي المصادر أنّ الحلول يجب أن تكون سريعة كي لا يُساهم ضعف الانتشار الأمني في تردّي الأوضاع الأمنيّة لاسيّما ليلًا خصوصًا وأنّ العتمة تخيّم على الطرقات الحيويّة والفرعيّة. وتضيف المصادر إنّه وتخوّفًا من الوصول إلى الأخطر، تعمل القيادات الأمنيّة على جلب المساعدات إلى عناصرها بكل الطّرق المتاحة، وهذا ما ترجمته زيارة قائد الجيش العماد جوزيف عون إلى الولايات المتحدّة الأميركيّة لتأمين مساعدات ماديّة وعينيّة للجيش اللّبناني.
يعيش اللّبنانيّون في بلدٍ ما لبث أن استراح لسنوات من الهزّات الأمنيّة حتّى عادت التوتّرات إلى الشارع. وصل الألم بهذا الشعب إلى تفضيل الوضع السيّئ خوفًا من الأسوأ.
اعتصموا، تظاهروا، افترشوا الطرقات في السابع عشر من تشرين وها هم اليوم إمّا عاطلون عن العمل وإمّا يتقاضون راتبًا لا يكفي لتسديد فاتورة مولّد. ما من وسيلة للخلاص اليوم، إلّا الانتخابات النيابيّة المقرَّر إجراؤها العام المقبل أملهم الوحيد في المدى المنظور. انتخابات يتمنّون ألّا تُلغى بذريعة أمنيّة خصوصًا إن شعرت الأحزاب التقليديّة أنّ هنالك تغييرًا جادًّا يهدّد مقاعدها.
الأخطر أنّ الحديث عن عودة الاغتيالات يتزامن وفرار عدد من عناصر الأجهزة الأمنيّة بعدما فقدت روابتهم قيمتها وبعدما بات العنصر الأمني يُنفق على تنقّلاته من مكان إقامته إلى مكان خدمته مبالغ تفوق قيمة راتبه. مصادرُ أمنيّة توضح لـ"جسور" أنّه تفاديًا لهروب عناصر إضافيّة ارتأت القيادات الأمنيّة تقليص دوام العناصر خصوصًا وأنّ عددهم يتضائل سنويًّا فلم يعد انتشارهم بكثافة في مختلف الطرقات أمرًا ممكنًا كما كان في السنوات الماضية ولا تُخفي المصادر أنّ الحلول يجب أن تكون سريعة كي لا يُساهم ضعف الانتشار الأمني في تردّي الأوضاع الأمنيّة لاسيّما ليلًا خصوصًا وأنّ العتمة تخيّم على الطرقات الحيويّة والفرعيّة. وتضيف المصادر إنّه وتخوّفًا من الوصول إلى الأخطر، تعمل القيادات الأمنيّة على جلب المساعدات إلى عناصرها بكل الطّرق المتاحة، وهذا ما ترجمته زيارة قائد الجيش العماد جوزيف عون إلى الولايات المتحدّة الأميركيّة لتأمين مساعدات ماديّة وعينيّة للجيش اللّبناني.
يعيش اللّبنانيّون في بلدٍ ما لبث أن استراح لسنوات من الهزّات الأمنيّة حتّى عادت التوتّرات إلى الشارع. وصل الألم بهذا الشعب إلى تفضيل الوضع السيّئ خوفًا من الأسوأ.
اعتصموا، تظاهروا، افترشوا الطرقات في السابع عشر من تشرين وها هم اليوم إمّا عاطلون عن العمل وإمّا يتقاضون راتبًا لا يكفي لتسديد فاتورة مولّد. ما من وسيلة للخلاص اليوم، إلّا الانتخابات النيابيّة المقرَّر إجراؤها العام المقبل أملهم الوحيد في المدى المنظور. انتخابات يتمنّون ألّا تُلغى بذريعة أمنيّة خصوصًا إن شعرت الأحزاب التقليديّة أنّ هنالك تغييرًا جادًّا يهدّد مقاعدها.