يحاول وزير الاعلام اللبناني زياد مكاري وهو الآتي من خلفية اختصاص بعيدة كل البعد عن الاعلام, فهو المهندس المختص والبارع في ترميم الابنية التراثية القديمة والمحافظة عليها, يحاول ان يرمم ويهندس بقدر ما اوتي لديه من امكانات, ملفات وزارة الاعلام اللبنانية, في دولة يكاد يكون آخر اهتماماتها في هذه المرحلة العصيبة من تاريخ لبنان, شؤون الاعلام الرسمي وشجونه وهو وان كان قد تبوأ حقيبة الاعلام نتيجة ظروف استثنائية بعد استقالة سلفه جورج قرداحي يتمسك ويفاخر بحماية لبنان للحريات العامة على الرغم من كل الملاحظات.. "فنحن الافضل على مستوى العالم العربي وحتى بين العديد من الدول الاجنبية" و"اتحدى ان يكون اي صحافي قد سجن شهرا" .
وبما أننا في أجواء انتخابات, بدأنا حديثنا مع الوزير بتقييمه لنتائج انتخابات الاغتراب اللبناني الذي وبحسب التقارير قد لفظ السلطة وأحزابها وانحاز للتغيير والمجتمع المدني , فهل يمكن ان ينسحب ذلك على انتخابات الداخل في الخامس عشر من الجاري؟
لدى وزير الاعلام اللبناني قراءة مختلفة للوحة توزّع القوى السياسية في لبنان , فبرأيه لا نستطيع ان نصنف "سلطة ومجتمع مدني ومعارضة" , فهناك جزء كبير من المعارضة - يقول مكاري - هو سلطة ,واذا اخذنا الدائرة الثالثة في الشمال, مثلا القوات اللبناتية كانوا سلطة, ميشال معوض كان سلطة , مجد حرب كان سلطة, لا يمكن تصنيفهم هكذا, ويضيف, اصلا تصنيف سلطة وغير سلطة او "كلن يعني كلن" ليس بالتصنيف المنطقي, لانه ان كانت السلطة او ما يسمى بالمعارضة او المجتمع المدني او الثورة , في النهاية هذا كله نسيج لبنان نسيج وطني , وبالنسبة لي يتابع مكاري: مهما كانت النتائج واعتقد انها ستكون نتائج صحيحة , لسبب انه في هذا القانون من الصعب ان يتم التزوير, مهما اتت النتائج فانا ارى انها جيدة للبلد ,لانه اذا كانت ما يسمى بالسلطة قد خسرت جزءا من قوتها, فهذا امر سيحفزها على ان تعمل اكثر, وبالمقابل اذا المجتمع المدني او القوى المسماة 17 تشرين اتت بنتيجة مقبولة, فهذا الامر سيحفزها على ان تعود وتنتظم وتدخل في الحياة السياسية وتتقبل غيرها, انا ارى انه يجب ان يكون ثمة تنافس ديمقراطي وقد تصل المعارضة الى السلطة وتنعكس الصورة وتنتظم الحياة الديمقراطية بهذا الشكل .
خاض .. وخسر
ويوضح مكاري في حديث لـ "جسور" أنه على المستوى الشخصي خاض تجربة الترشح للانتخابات عام 2000 والعام 2005 , ويقول :"حينها انقسم البلد وأخذت خياري السياسي مع الوزير فرنجية ", كما ترشحت عام 2018 ولكن القانون حينها لم يسمح ان اكمل في ترشحي نظرا لوجوب توفر اللوائح المغلقة وانا خرجت من اللائحة, ولم يكن لدي مشكلة ان ادعم فريقي السياسي من الخارج ,انا اعرف اللعبة الانتخابية ولكن للاسف المال السياسي خرّب كل شيء, هناك الكثير الكثير من المال وهذه ليست "شغلتي", للاسف لم يعد هناك من لعبة سياسية سليمة بوجود المال.
الناس تقرر
وعما اذا كان يرى ان لبنان بعد 15 ايار يحتمل ان ’يحكم من قبل الطبقة السياسية نفسها والذهنية نفسها أم انه حان الوقت لنرى ملامح وجه جديد له , يقول مكاري , في النهاية الناس هي التي تفرز القيادات , اذا كان خيارها ان تفرز القيادات ذاتها , اللعبة ستستمر بهذا الشكل واذا افرزت طبقة سياسية جديدة تكون الامور جيدة ايضا , وعلى المستوى الشخصي انا دائما مع التجديد حتى ضمن فريق السلطة او الفريق التقليدي الموجود, ويشير الى انه في لوائح تيار المردة في الشمال ثمة وجوه جديدة شابة من خارج العائلات السياسية , وهذا أمر ايجابي.
وعن دور وزارة الاعلام في مراقبة وقائع انتخابات الاغتراب ونقلها, يعترف الوزير مكاري بانه كان ثمة تقصير وكان يجب ان يزور غرفة العمليات في وزارة الخارجية ولكن الظروف لم تسمح , وهو قد اتصل بوزير الخارجية عبدالله بو حبيب معتذرا . واذ اشاد بالجهود التي وضعتها وزارة الخارجية في هذا الاطار ولاقت كل الثناء من قبل الجهات المراقبة كافة, غمز من قناة المشككين واكد ان وزارة الاعلام ستكون متأهبة لنقل وقائع الانتخابات في الداخل يوم 15 ايار وعلى اكمل وجه .
لا خطة
وعما اذا كان قد اعد خطة استنهاض لواقع الاعلام الرسمي في لبنان من اذاعة رسمية تلفزيون ووكالة وطنية, بهدف استعادة الدور الريادي للاعلام الرسمي كما كان في السابق, يوضح الوزير مكاري ان مشاريع كثيرة بدأ بها أسلافه من وزراء الاعلام , منها ما سيكمل به , ولكنه لم يتمكن من وضع خطة جدية خاصة به, كونه لم يمض شهران على وجوده في الوزارة, وأتى في فترة انتخابات, ويقول , لقد حاولنا ان نرتب بيتنا الداخلي كوسائل اعلام لنستطيع ان نخرج بانتخابات نزيهة ومواكبة بشكل صحيح , لافتا الى انه قد يبادر في فترة تصريف الاعمال للحكومة الى البدء بمناقشة بعض الملفات ومنها وضع بعض التعديلات على قانون الاعلام كون هناك الكثير من الاعتراضات عليه , وقد سبق ان تم الاجتماع مع عدد من الجمعيات المختصة بقوانين الاعلام , ولكننا "لم نستطع ان ننجز الكثير كون مرحلة الانتخابات داهمتنا".
وفيما خص التمويل لمشاريع وزارة الاعلام كون الحكومة ليس لديها امكانات مادية في الوقت الحاضر , يرفض مكاري ربط وضع البلد الاقتصادي بملفات التطوير في اي وزارة , فالوزير عليه ان يعمل ويجتهد بشكل متوازي رغم كل الظروف, مشيرا الى اجتماعات دورية تعقد مع جمعيات وهيئات دولية والى تمويل الارشيف من قبل فرنسا مثلا بقيمة 850 الف دولار , وهذا مثال على اننا نستطيع ان ننجز قضايا مهمة من دون تمويل الدولة.
لبنان ..الافضل
وعن مدى التزام لبنان بالدفاع عن حرية الرأي لاسيما وان هناك امثلة كثيرة عن قمع الاعلاميين والناشطين واصحاب الرأي بعد ثورة 17 تشرين , يرى وزير الاعلام اللبناني انه في المحيط العربي والشرق اوسطي , لبنان هو الافضل على هذا الصعيد,مقارنة بما نراه في تركيا مثلا او ايران اوبعض الدول في اوروبا الشرقية ,ويقول, ما من صحافيين اعدموا او حوكموا أو في السجون ,وأتحدى ان يكون اي صحافي قد سجن شهرا او شهرين او ثلاثة, ولكن هناك دينامية معينة في اللعبة السياسية في لبنان, وكل الناس ضد كل الناس .
لا خيار الا صندوق النقد
وعن تقييمه لما جرى في عملية التفاوض مع صندوق النقد الدولي, خصوصا بعدما أسقط قانون الكابيتال كونترول في المجلس النيابي وهل سيتمكن لبنان من انجاز الاصلاحات المطلوبة منه دوليا, يرى مكاري اننا كلبنانيين لا خيارات أمامنا, نحن مجبورون على خيار صندوق النقد, والآن اذا دخلت الحكومة في مرحلة تصريف الاعمال ,لا يعود بامكانها التفاوض مع صندوق النقد والتوقيع أو فعل اي شيء , غامزا هنا من قناة النواب الذين وقفوا ضد الكابيتال كونترول في المجلس النيابي لاهداف شعبوية وللمزايدة على ابواب الانتخابات ,"الامر الذي اخّر التفاوض , وبالتالي لم يأت اي توقيت لصالح البلد مع الاسف " .
أرجحية " سليمان بيك "
وهل يتوقع ان تطول فترة تصريف الاعمال ام ان المعطيات الاقليمية والمحلية هي باتجاه تسهيل تاليف حكومة جديدة في لبنان , يجزم الوزير مكاري انه لا يمكن اعطاء اجابة دقيقة حول هذا الامر , ولكنه يقول ان اي اسبوع او اسبوعين او شهر يذهب من امام مسيرة تعافي الدولة , يذهب بالتالي من امام اولادنا, واتمنى انه بعد مرور الواحد والعشرين من الشهر الجاري,( الموعد الدستوري لدخول الحكومة الحالية في فترة تصريف الاعمال), ان تتشكل الحكومة في اواخر أيار وهذا امر جيد جدا ولكن لا اشعر انه سيتم , لان التاريخ والتقليد والوقائع الماضية تقول غير ذلك .
وعن استحقاق الانتخابات الرئاسية والترجيحات التي تزكي وصول الوزير السابق سليمان فرنجية الى سدة الرئاسة, ولا سيما بعد الافطار الشهير للامين العام لحزب الله والذي جمع فيه رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل ورئيس تيار المردة سليمان فرنجية , يرى مكاري ان احدا لا يستطيع التكهن من الآن من سيأتي رئيس جمهورية , ونحن نتمنى ان تكون الارجحية لـ " سليمان بيك " , مشيرا هنا الى زيارة الاخير لروسيا والتي كانت ناجحة, والى جلوسه مع الوزير جبران باسيل , ذلك انه كلما جلس طرفان متخاصمان في لبنان مع بعضهما البعض , كان ذلك لخير البلد , هذا فضلا عن ان الوزير فرنجية هو من السياسيين القلائل الذين يملكون قنوات اتصال جيدة مع كل الاطراف وهو مقبول من الجميع .
لقرار حاسم
وحول ملف اللاجئين وما قاله وزير الخارجية من ان الوضع في لبنان سيصبح اسوأ اذا لم يعد هؤلاء الى ديارهم , وهل يستثمر تيار المردة علاقاته الجيدة بسوريا بهدف ايجاد مخارج سريعة لهذا الملف, يقول مكاري انه على الدولة ان تأخذ القرار الحاسم في هذا الموضوع لان فيه الكثير من الخطورة على مستقبل لبنان ومستقبل ابنائه , اذ هناك مليونا لاجيء سوري في لبنان, وسوريا اصبحت آمنة, وكثر منهم يذهبون لزيارة اهلهم وكثر ينتخبون الرئيس بشار الاسد , ولكنهم لم يعد خافيا على احد , مستفيدون من الامم المتحدة , مستفيدون من العمل في لبنان , لذلك لا يجوز ان يستمر لبنان في تحملهم على حساب اهله, وتطرق في السياق الى مؤتمر بروكسل حول النازحين وقال, عسى ان يكون هذا المؤتمر منطلقا لبداية جدية لعودتهم .
لافضل علاقات مع الخليج
وعن تسلمه لحقيبة الاعلام بعد استقالة الوزير جورج قرداحي اثر تصريحاته التي اساءت لدول الخليج , وهل يمكن ان يدلي هو شخصيا بتصريحات مماثلة ؟ يقول , ان الوزير القرداحي ادلى بتصريحاته هذه قبل ان يكون وزيرا او حتى قبل ان يعرف انه سيصبح وزيرا, وبالنهاية هو لديه آراؤه السياسية , وكلنا لدينا آراؤنا السياسية وهذا الموضوع يدخل ضمن الحريات التي نريد حمايتها, هناك اناس ينتقدون السعودية وآخرون يمجدون بها , ولكن نحن كوزراء في الحكومة يجب ان نتنبّه جيدا لهكذا امور, لان لبنان لم يعد يحتمل خضات , يجب ان نكون على مسافة واحدة من الجميع, وبطبيعة الحال للبنان مصلحة قوية مع دول الخليج ونحن متمسكون بافضل العلاقات معهم .
ومع عودة سفراء دول الخليج الى بيروت, هل يرى ان الغيوم السوداء التي ظللت العلاقات في الفترة الماضية قد زالت, يوضح انه بالتأكيد لم تزل كليا, ولكن هذه بداية جيدة وعلى المسؤولين اللبنانيين ان يتابعونها ويعملون على تعزيزها , وهذا هو توجه الحكومة والدولة اللبنانية ككل .
لا نغطي فنيانوس
وفي الختام توجهنا الى وزير الاعلام اللبناني حول اتهام تيار المردة بتغطية وزير الاشغال السابق يوسف فنيانوس المحسوب عليه في سياق الاستدعاءات القضائية من قبل قاضي التحقيق في انفجار المرفأ طارق البيطار, وما اذا كان التعاطي مع القاضي بيطار سيبقى على ما هو عليه في المرحلة المقبلة, فابدى حزنه كون ملف بهذا الحجم يتوقف بهذه الطريقة , وقال , انا لا اريد ان اقول من هو بريء ومن هو ليس بريئا وتيار المردة لا يغطي الوزير يوسف فنيانوس ,ثمة موقف سياسي اتخذه الوزير سليمان فرنجية ولكن هناك قضاء ,هناك اجهزة امنية , وعليهم ان يقوموا بعملهم , واذا كان لا بد من توقيف الوزير فنيانونس, هناك قضاء يتولى الموضوع , وليس لدينا صفة ان نحدد من هو المسؤول من عدمه.