المحكمة الدولية الخاصة بلبنان تقفل أبوابها نهائياً مطلع العام 2022، دون أن تنظر في قضية اغتيال الشهيد جورج حاوي ومحاولة اغتيال الوزيرين السابقين مروان حمادة والياس المر وقبل أن تنهي المهمة التي أوكلت بها.
وقريباً جداً ستستكمل الاجراءات الإدارية واللوجستية لإقفال مقرّ المحكمة في لايسندام بعد الإقفال النهائي لمكتبها في لبنان في المونتفيردي.
وقد وافق مجلس الأمن الدولي عام 2007 على إنشاء المحكمة الخاصة بلبنان في هولندا للنظر في ملف اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري والقضايا الأخرى المتلازمة، واعتُبرت أول محكمة دولية في العالم تهدف إلى التحقيق في الجرائم الإرهابية.
وبعد 13 عاماً على إنشائها، أصدرت المحكمة في 11 ديسمبر/كانون الأول حكمها على المتهم سليم عياش الذي يشتبه في انتمائه إلى حزب الله، وأدانته بالمشاركة في اغتيال الرئيس الحريري عام 2005.
غير أنها أعلنت في 03 يونيو/حزيران 2021 إلغاء بدء محاكمة المتهم عياش بسبب "أزمة مالية غير مسبوقة. فالدولة اللبنانية عاجزة عن تمويلها بسبب الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها وتوقف الدول المانحة في المساهمة بما يترتب عليها.
الامتعاض من الحكم الصادر ضد عياش وضع المحكمة الدولية في دائرة الشكوك حول مدى فعاليتها ووجوب بقائها، واعتبر اللبنانيون الذين انتظروا حكمها لسنوات وتكبدت خزينتهم جزءاً كبيراً من مصاريفها أنها لم تحقق العدالة ولم تصدر حكمها إلا على شخص واحد من دون اتهام فريقه السياسي، كما أنها لم توقف أي متهم على الرغم من استمرار عمليات الاغتيال في لبنان لسنوات بعد إنشائها، فماذا عن تداعيات إقفالها؟
شروط كبلت نتائج المحكمة
في حديث إلى "جسور" أوضح الأستاذ في القانون الدولي أمين بشير:" أن ظروف إنشاء المحكمة الدولية الخاصة بلبنان من قبل مجلس الأمن كانت صعبة. حينها، كانت المنطقة تعاني من صراع محاور ومنذ البداية، وضعت روسيا فيتو عليها وبعد مفاوضات دولية حثيثة تم الاتفاق على إنشائها على أن لا تعمد إلى اتهام كيانات أو دول بل فقط أفراد وإن كانوا علناً ينتمون إلى كيانات أو دول.
ومع الشروط الروسية انطلقت المحكمة في مهامها باحتراف، وقدمت نتائج واضحة بأدلتها العلمية والتقنيات العالية التي استخدمتها في تحقيقاتها، وخسر أمنيون رفيعو المستوى حياتهم في تعاونهم معها لكشف الحقيقة، أبرزهم الشهيدان وسام عيد ووسام الحسن."
هجمات إعلامية ممنهجة ضد المحكمة
ورأى الدكتور بشير أمين أن على الرأي العام اللبناني فهم الظروف التي رافقت إنشاء المحكمة الدولية الخاصة بلبنان قبل إصدار الأحكام عليها. كذلك أوضح: "أن المحكمة عانت من هجمات ممنهجة شنتها القوى المعارضة لإنشائها عبر منظومة إعلامية مدفوعة الثمن، وعمدت من خلالها إلى استهداف عمل المحكمة وتسخيفه وتأليب الرأي العام ضدها ليصل إلى مرحلة التشكيك بجدواها".
ويعتبر الاستاذ الجامعي أن المنظومة نجحت إلى حد بعيد فحين صدر الحكم ضد سليم عياش اعتبره معظم اللبنانيين غير كاف وشككوا بمصداقية المحكمة.
اللحظة الأقليمية المناسبة
وعن مصير الملف بعد كل هذه السنوات، وإن كان سيطوى إلى الأبد، قال الدكتور أمين بشير :"إن اللحظة الاقليمية ربما هي اليوم غير مؤاتية لتوظيف النتيجة من خلال اتهام سليم عياش والمحور الذي ينتمي إليه، فالمنطقة تمر حالياً في مرحلة دقيقة مع بدء المفاوضات على الاتفاق النووي.
وكما هو معلوم، إن إدارة الرئيس الاميركي جو بايدن مسالمة أكثر من إدارة سلفه دونالد ترامب وتسعى إلى الحوار للوصول إلى النتائج المرجوة، بينما المحور الايراني أكثر شراسة ويحاول استفزاز إدارة بايدن من خلال الضغط عليها بأوراق أمنية وهناك تخوف من أن يلعب المزيد من الأوراق الأمنية في المنطقة."
لكنه يختم بالقول إن الأمور مرهونة بظروفها، وفي لحظة إقليمية معينة قد يصبح مصدر تمويل المحكمة متوفراً بطريقة مفاجئة لانفاذ الحكم واعتقال المتهم، وإعادة استخدام ورقة الاتهام كوسيلة ضغط.
وتقوم المحكمة على نظام تمويل مختلط، 49% من ميزانيتها تقع على عاتق الدولة اللبنانية و51% تؤمن عبر تبرعات طوعيّة للدول الأعضاء في الأمم المتحدة. لكن الدولة اللبنانية وبسبب الأزمة الاقتصادية الخانقة وعجز الموازنة، لم تستطع إيفاء موجباتها كاملة السنة الفائتة. مع الاشارة الى أنّ لبنان هو الدولة الوحيدة التي تساهم بتمويل محكمة جنائية دولية تتعلق بالجرائم الواقعة على إقليمها.
كذلك، إنّ قرار مجلس الأمن 1757 والمادة 5 من الاتفاق المرفق به، يضعان على عاتق الأمين العام ومجلس الأمن موجب استكشاف وسائل بديلة لتمويل المحكمة في حال عدم كفاية التبرعات لتنفيذ ولايتها، أو في حال عدم كفاية مساهمات الحكومة اللبنانية لتحمل النفقات.
يضاف إلى ذلك "عدم استحسان الدول المانحة للحكم الذي أصدرته غرفة الدرجة الأولى في 18 آب 2020 في قضية الحريري والذي دان فقط شخصاً واحداً بعد محاكمة غيابية استمرت عشر سنوات.