"قفزة نحو المجهول"، "فرنسا صوّتت وعاقبت ماكرون"، "الفرنسيون يحرمون ماكرون من التحكم بالجمعية الوطنية"... بهذه العبارات عبّر الاعلام الفرنسي عن النكسة السياسية التي مني بها الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون في الانتخابات التشريعية في انعكاس واضح لعدم استقرار المشهد الفرنسي بعدما خسر التحالف الذي يقوده ماكرون الغالبية المطلقة.
فالانتخابات لم تمنح الغالبية لأي حزب، وقد اتّسمت بتحقيق اليمين المتطرّف تقدما كبيرًا وبتأكيد انقسام المشهد السياسي إلى ثلاث كتل: الوسط بقيادة إيمانويل ماكرون (245 نائبًا، تحالف "معًا!")، واليمين المتطرف بقيادة مارين لوبن (89 نائبًا، حزب التجمّع الوطني) وتحالف اليسار بدءًا باليسار الراديكالي وصولًا إلى الاشتراكيين (135 نائبًا) بقيادة جان لوك ميلانشون (الاتحاد الشعبي البيئي والاجتماعي الجديد).
ثلاث سيناريوهات
وفند الدكتور والمحامي في محكمة باريس ومحكمة الجنايات الدولية ومستشار مؤسس حزب التجمع الوطني ايلي حاتم في حديث لـ"جسور" الخيارات التي يمكن أن يلجأ اليها ماكرون بعد خسارته الغالبية البرلمانية المطلقة، مشيرا الى أن "ماكرون قد يتحالف مع الجمهوريين للحصول على أكثرية في البرلمان، لكنهم قد يرفضون ذلك، غير أن هناك مخاوف من أن يبادر التحالف اليساري الى سحب الثقة عن الحكومة. ثانيا، ماكرون قد يغير سياسته يساراً لكسب أكثرية في البرلمان، وفي هذه الحال لا مخاوف من التصويت ضد الحكومة وسحب الثقة عنها، لكن ذلك سيقضي على مستقبل حزب ماكرون وسيؤدي الى تكتل اليمين لتشكيل معارضة وازنة في البرلمان. أما السيناريو الأخير فيكمن في تشكيل حكومة "اتحاد وطني" تمثل القوى السياسية في البلاد، مع اسقاط الجبهة المعارضة كون الأحزاب مسؤولة عن اتخاذ القرارات".
تسونامي اليمين المتطرف
ويرى متابعون أن التجمع الوطني اليميني المتطرف بزعامة مارين لوبن كان الرابح في الانتخابات التشريعية، فقد حقق اختراقاً كبيراً، ما أدى الى تضاعف عدد مقاعد الحزب 15 مرة.
وقالت لوبن بفخر أمام أنصارها في دائرتها الانتخابية بمنطقة هينين-بومون شمال البلاد، إن الكتلة البرلمانية التي حصل عليها التجمع الوطني هي "الأكثر عدداً بفارق كبير في تاريخ عائلتنا السياسية"، متعهدة بممارسة معارضة حازمة ومسؤولة تحترم المؤسسات كافة.
وهنا أشار مستشار مؤسس حزب التجمع الوطني ايلي حاتم الى أن "حزب التجمع الوطني حصل على 90 مقعدا في البرلمان، أي أكثر مما حصل عليه حزب ماكرون و ميلونشون، وبالتالي هو الحزب الأقوى اليوم في المشهد الفرنسي."
وتابع: "لوبان تطلب الى الأحزاب أن يتوحدوا مع التجمع الوطني للحفاظ على السيادة الفرنسية وقيمها، لأنه بات واضحا أن الأحزاب التقليدية التي حكمت فرنسا منذ بداية الجمهورية الخامسة حتى اليوم هي المسؤولة عن المشاكل التي وصلت اليها البلاد".
وأضاف" المشكلة في فرنسا تكمن في تعدد الأحزاب السياسية أي في الديمقراطية التعددية كون ليس هناك غالبية مطلقة من جهة وجبهة معارضة وازنة من جهة ثانية."
خطر على البلاد
وكانت قد صرحت رئيسة الوزراء إليزابيث بورن بأن نتائج الانتخابات البرلمانية التي فشِلت في منح الغالبية لأي حزب، تُشكل خطراً على البلاد، لكنها تعهدت بسعي حزب ماكرون لبناء تحالفات فوراً.
وفي السياق، وصف حاتم تصريح بورن "بالديماغوجي لأنه يعبر عن خسارة تحالف ماكرون في الانتخابات، فرئيسة الوزراء تخشى من التشرذم الكبير في المشهد الفرنسي نتيجة الانتخابات التشريعية."