ليس الميل إلى رفض اللقاحات ومناهضتها وليد كوفيد-19 بل يعود إلى القرن الثامن عشر حين أعطيت أولى الجرعات اللقاحية.
ومن مخاوف جدية نجمت عن تأثيرات جانبية إلى دراسات زائفة ونظريات مؤامرة، هذه نظرة على منحى مناهضة اللقاحات على مرّ الأجيال من مرض الجدري الذي تسبّب بوفاة الملايين وقُضي عليه في العام 1980 إلى فرض الزامية التلقيح مروراً باللقاحات المضادة لداء الكلب إلى انفلونزا الطيور في العام 2009.
أول لقاح لمرض الجدري
على مدى عصور تسبب مرض الجدري بوفاة الملايين أو تشوّههم إلى أن تم القضاء عليه في العام 1980 من خلال التلقيح. في العام 1796 خطرت للطبيب الإنكليزي إدوارد جينر فكرة استخدام فيروس جدري البقر الأقل شدة لطفل لتحفيز استجابته المناعية بعدما لاحظ أن من يعملون في حلب البقر نادرا ما يصابون بالجدري. وتكلّلت العملية التي أطلق عليها جينر تسمية "فاكسينوس"بالنجاح، لكنها أثارت تشكيكا ومخاوف.
بين الإلزامي وبند الضمير
في العام 1853، أصبحت بريطانيا أول دولة كبرى تفرض إلزامية تلقيح الأطفال ضد الجدري، وقد احتذت في ذلك حذو بافاريا والدنمارك اللتين كانتا قد جعلتا التلقيح إلزاميا قبل أكثر من ثلاثة عقود. وعورض ذلك على أسس دينية، والتخوف من مخاطر حقن البشر بمنتجات حيوانية والتحجج بانتهاك الحريات الفردية. وساهم ذلك في التوصل في العام 1898 إلى ما اصطُلح على تسميته "بند الضمير" الذي يتيح إعفاء المشككين من إلزامية التلقيح.
داء الكلَب
في نهاية القرن التاسع عشر، طوّر عالم الأحياء الفرنسي لوي باستور لقاحا مضادا لداء الكلَب عبر حقن الأرانب بفيروس جرى إضعافه. لكن العملية أثارت مجددا تشكيكا وقد اتُّهم باستور بالسعي لتحقيق أرباح من لقاحه وبإعداد "الداء في المختبر".
ذروة اللقاحات
ازدهرت اللقاحات في عشرينيات القرن الماضي وقد أعطيت جرعات لقاحية ضد السل (1921)، كما تم تطوير اللقاحات المضادة للخناق (1923) والكزاز (1924) والسعال الديكي (1926). وفي هذه الفترة بدأ استخدام أملاح الألمنيوم لزيادة فاعلية اللقاحات. لكن بعد أكثر من نصف قرن أصبحت هذه الأملاح مصدر تشكيك، وساد اعتقاد بأنها تؤدي إلى التهاب اللفافة البلعمية الذي يتسبب بإصابات عضلية وإرهاق.
التوحد
وأشارت دراسة نشرتها صحيفة "ذا لانست" الطبية الرائدة في العام 1998 إلى وجود صلة بين التوحد والجرعة الثلاثية المضادة للحصبة والنُّكاف والحصبة الألمانية.
وبعد سنوات تبيّن أن الدراسة التي أعدّها آندرو ويكفيلد وزملاؤه زائفة وقد حذفت من الصحيفة كما شطب ويكفيلد من السجل الطبي. وعلى الرغم من كشف دراسات لاحقة عن عدم وجود صلة كتلك، لا يزال المناهضون للقاحات يعتمدون دراسة ويكفيلد مرجعا لهم.
مخاوف انفلونزا الخنازير
في العام 2009 تسببت "أنفلونزا الخنازير" التي تعرف أيضا بـ"اتش1ان1" الناجمة عن فيروس من سلاسة الأنفلونزا الإسبانية الفتاكة، بقلق بالغ. لكن "اتش1ان1" لم يكن فتاكا بقدر ما كان يعتقد وتم تلف ملايين الجرعات اللقاحية التي أنتجت لمكافحته مما أشاع أجواء انعدام الثقة إزاء حملات التلقيح.
وقد تفاقمت الأوضاع سوءا بعدما تبين أن "بانديمريكس" وهو أحد اللقاحات المضادة يزيد من مخاطر الإصابة بالتغفيق أو النوم القهري. ومن أصل 5.5 ملايين شخص تلقوا اللقاح في السويد، اقتضى التعويض على 440 شخصا بعدما أصيبوا بهذا المرض.
مؤامرة حول شلل الأطفال؟
بعد القضاء عليه في إفريقيا في آب/أغسطس 2020 بفضل اللقاحات، لا يزال شلل الأطفال ينشط في باكستان وأفغانستان حيث لا يزال المرض متوطنا. وتسهم نظريات المؤامرة المناهضة للقاحات في فقدان مزيد من الأرواح من جراء هذا المرض.
ففي أفغانستان تعارض حركة طالبان حملات التلقيح وتعتبرها مخططات غربية لإصابة الأطفال المسلمين بالعقم لكن الحركة بعدما عادت إلى السلطة العام الماضي قرّرت التعاون مع منظمة الصحة العالمية ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف".