كان لافتًا إعلان جامعة الدول العربية قرارها إيفاد بعثة إلى لبنان، لمراقبة الانتخابات النيابية، موضحةً أنه تم وضع برنامج توزيع جغرافي لأعضاء البعثة في مختلف المحافظات والأقضية اللبنانية لمراقبة مجريات عمليات الاقتراع والعد والفرز ورصد الأجواء الانتخابية في عدد من المراكز الانتخابية، طبقًأ للقواعد المتعارف عليها ومقتضيات السلوك المعمول بها في نطاق جامعة الدول العربية، بشأن الالتزام بالنزاهة والمصداقية وواجب الحياد.
هذا الإعلان وإن دل على شيء فهو يدل على حجم الاهتمام العربي في حسن سير العملية الانتخابية في لبنان ونزاهتها.
وبحسب الإعلامي اللبناني طارق أبو زينب، وهو كاتب سياسي متابع للشأن الخليجي والعربي، فإن "المجتمع العربي والدولي يعير أهمية قصوى لإجراء الانتخابات اللبنانية النيابية لعام 2022، نظرًا إلى عمق الأزمة اللبنانية السياسية والاقتصادية والمعيشية الصعبة والتي أرخت بظلالها على المواطن اللبناني، حيثُ أصبح معظم الشعب بحسب البيانات الدولية تحت خط الفقر، وأيضًا للتأكد من مدى إلتزام لبنان بتعهده أمام الصندوق النقد الدولي والدول المانحة، بإجراء الانتخابات وبمحاربة الفساد، وبسبب هيمنة حزب الله وإيران على القرار السياسي اللبناني الذي يهدّد الاستقرار على الاصعدة كافة".
دعم الشفافية
أبو زينب وفي حديث لـ"جسور" أشار، إلى أن "المجتمعين الدولي والعربي اللذين يتابعان الأزمة اللبنانية عن كثب، قررا إيلاء أولوية لمسألة الانتخابات النيابية، على أن تجري في موعدها الدستوري، وذلك منذ أكثر من سنتين، ففي كل بيان صدر عن مجلس الأمن أو عن الاتحاد الأوروبي، أو عن الدول الكبرى، تم التشديد على وجوب إجراء هذه الانتخابات النيابية في موعدها، فضلاً عن تأكيد سفراء هذه الدول في لبنان، في لقاءاتهم مع كبار المسؤولين على الموقف نفسه.
فهذه الدول تنبهت إلى ازدياد نقمة الشباب والشارع اللبناني على السلطة الحاكمة، وإلى الهجوم الكبير على بعض الأحزاب اللبنانية التي تحمي الفاسدين وبعضهم شارك بالفساد أو في حروب مسلحة في اليمن وسوريا والعراق".
ورأى أبو زينب أن "الدخول العربي على خط مراقبة حسن سير الاستحقاق الانتخابي هو ليس تدخلاً بالشأن اللبناني الداخلي، انما لمراقبة الانتخابات ودعم الشفافية من خلال إعلان جامعة الدول العربية قرارها إيفاد بعثة إلى بيروت برئاسة الأمين العام المساعد السفير أحمد رشيد خطابي، والهدف الأساسي من ذلك، هو مراقبة مجريات عمليات الاقتراع والعد والفرز ورصد الاجواء الانتخابية، وذلك دعمًا للأجواء الديموقراطية والتأكد من حسن سير العملية الانتخابية ولمؤازرة هيئة الإشراف على الانتخابات، والمجلس الدستوري، ووزارة الداخلية والبلديات والمجتمع المدني ".
في سياق آخر، ووسط تساؤلات حول خِيارات الشارع السني نحو الالتزام بقرار رئيسِ تيار المستقبل سعد الحريري بمقاطعة الانتخابات، أو الاستجابة للفتوى الدينية لدار الفتوى والاقتراع، قال أبو زينب، "بشفافية مطلقة لا أحد من المراقبين لسير عملية الانتخابات النيابية يستطيع أن يرصد الشارع السني أو يحدد توجهه في معظم المناطق اللبنانية، فالشارع السني له حسابات خاصة جدًا ولوائح عديدة، لكن عليه كما على اللبنانيين جميعًا أن يحاسبوا جميع المنظومة الحاكمة والفاسدين الذي عملوا على تدمير لبنان واقتصاده".
103 قائمة إنتخابية
وانتهت الانتخابات اللبنانية التي شملت المغتربين بنسبة تصويت أولية بلغت نحو 60%، في حين ستجري الانتخابات التشريعية في الداخل يوم الأحد المقبل.
وتتنافس 103 قائمة انتخابية تضم 718 مرشحا موزعين على 15 دائرة انتخابية لاختيار 128 نائبا.
وأدلى أكثر من 100 ألف لبناني يعيشون في الخارج بأصواتهم في انتخابات برلمانية الجمعة والأحد، ودعم كثير منهم وجوها جديدة بالساحة السياسية بعد أن شهد لبنان أسوأ أزمة منذ الحرب الأهلية بين عامي 1975 و1990 والتي أدت إلى انتشار الفقر ودفعت بموجة من الهجرة من البلاد.
وهناك زهاء 225 ألف لبناني يعيشون في الخارج لهم حق التصويت في أكثر من 50 دولة بالانتخابات النيابية الأولى منذ الانهيار المالي عام 2019، وانفجار مرفأ بيروت الذي أودى بحياة أكثر من 215 شخصا ودمر أجزاء كبيرة من العاصمة في أغسطس/آب 2020.
خارطة طريق
من جانبه، قال رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي، بعد تفقده قاعة مراقبة الانتخابات في بيروت، إن المواطن في الخارج أعرب من خلال الإدلاء بصوته في الانتخابات البرلمانية عن أمله بحدوث تغيير في البلاد حتى يتمكن من العودة إليها.
كما أعرب ميقاتي عن امتنانه للدول التي تحتضن المغتربين اللبنانيين.
وقال ميقاتي "بإذن الله، من خلال التغيير الذي ينشده اللبنانيون في صناديق الاقتراع، ستنطلق عملية التعافي الاقتصادي ويكون المجلس النيابي الجديد خيرًا على لبنان".
وأكد أهمية أن "يتكامل عمل المجلس النيابي الجديد والحكومة الجديدة من أجل إنهاء المسائل الأساسية والإصلاحات المطلوبة لتبدأ بعدها نهضة لبنان".
من جهتها، قالت منظمة "هيومن رايتس واتش" إن على البرلمان اللبناني الجديد التركيز على القضايا الحقوقية من خلال رسم خارطة طريق لتحسين وضع الحقوق.
وحددت المنظمة الحقوقية مجالات ذات أولوية من بينها تعزيز استقلال القضاء وإصلاح قطاع الكهرباء المتداعي، وحماية الحقوق في الاستجابة للأزمة الاقتصادية.