في واشنطن ونيويورك وبنسلفانيا، المواقع الثلاث التي صدم فيها 19 خاطفاً من تنظيم القاعدة طائرات ركاب أمريكية، مبنيَي برج التجارة العالمي و البنتاغون الأميركي في واشنطن، حيث سقط ثلاثة آلاف قتيل، يحيي الأميركيون الذكرى العشرين لهجمات 11 سبتمبر (أيلول) على وقع انسحاب القوات الأميركية من أفغانستان بشكل نهائي تخللته الفوضى وعودة طالبان إلى السلطة، ما أثار انتقادات حادة للرئيس الأمريكي جو بايدن.
فبعد عشرين سنة، انتهت حقبة كانت قد بدأت بخطف طائرات، بفوضى إقلاع الطائرات المنسحبة من مطار كابول، تاركة وراءها نكسة عسكرية لم تشهدها الولايات المتحدة منذ حرب فيتنام عام 1965. وقد تسببت هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001 بواحدة من أكبر عمليات الإنفاق العسكري في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية، حيث وصل الإنفاق إلى حوالي 2 تريليون دولار، منها 144 مليار دولار على قوات الأمن الأفغانية، وفق تقرير المفتش العام الخاص لإعادة إعمار أفغانستان.
طائرات الموت الأربع
وفي نيويورك، موقع انهيار برجي مركز التجارة العالمي، حيث أقيم نصب مائي مكانهما، يقرأ أقارب الضحايا بصوت مرتفع أسماء 2753 شخصاً من دول عديدة قتلوا في الانفجارات الأولى أو أنّهم قفزوا من النوافذ أو فقدوا لدى اندلاع النيران في البرجين المنهارين. أما في البنتاغون، حيث خلّف اصطدام الطائرة المخطوفة مقتل 184 شخصاً في الطائرة وعلى الأرض، فسيتم الوقوف ست دقائق صمت أي ما يعادل الوقت الذي استغرقه الاعتداء.
أما في شانكسفيل في بنسلفانيا، يحيي الاميركيون الذكرى حيث تحطمت طائرة الخطوط الجوية المتحدة "يونايتد" ، الرحلة رقم 93، في حقل حيثما قاوم ركّابها الخاطفين، قبل بلوغ هدفها الذي كان على الأرجح مقر الكابيتول في واشنطن.
وحتى اليوم، لا تزال الرواية الكاملة لعملية تنفيذ إحدى أضخم العمليات الإرهابية سرية في العالم، وقد أمر بايدن الأسبوع الماضي بنشر وثائق سرية من التحقيق الذي أجراه مكتب التحقيقات الفدرالي (إف بي آي) على مدى الشهور الستة المقبلة.
كابول على خطى سايغون
وفتحت الذكرى العشرين لاعتداءات القاعدة، المجال واسعاً للمقارنة بين سقوط كابول في أفغانستان بيد طالبان، وسقوط سايغون في فيتنام حينها بيد الشيوعيين، حيث اشارت صحيفة "نيويورك تايمز"، الى ان الولايات المتحدة دخلت فيتنام من أجل القضاء على الزحف الشيوعي من الشمال على الجنوب، في حين كان هدف دخولها في أفغانستان القضاء على طالبان ومنعها من تقديم الدعم للقاعدة، وفي كلٍّ من الحربين، لم يتمثَّل الفشل الأمريكي في عدم القدرة على القضاء على المد الشيوعي أو طالبان فقط، بل تعدى ذلك لتستحوذ تلك القوى على السلطة في تلك البلاد.
وأشارت الصحيفة الى انه مع دخول قوات فيتنام الشمالية عاصمة البلاد في الجنوب، انتهى الانقسام بين البلدين وأُعيد توحيد كلٍّ منهما، وباتت السلطة في يد النظام الشيوعي الذي كان يحكم فيتنام الشمالية، أما في أفغانستان فقد تكرر المشهد نفسه، حيث استطاعت طالبان وقبل مغادرة القوات الأمريكية، كما حدث في فيتنام، الاستيلاء على العاصمة كابول وفرض السيطرة على أرجاء البلاد، بعد أن كانت مستهدفة من قبل القوات الأمريكية والناتو على مدار 20 عاماً.
القرار الأسوأ
وفي السياق نفسه يوصف بيتر همفري، الديبلوماسي السابق والمحاضر في جامعة الدفاع الوطني في واشنطن، قرار الانسحاب بأنه "أسوأ قرار سياسي في تاريخ الولايات المتحدة"، رافضاً تبرير "الانسحاب بأننا قضينا 20 عاما هناك"، مضيفاً انه "لا يمكن أن تنسحب حتى تحقق الهدف حتى ولو أخذ الأمر 100 عام". ويشبه هذا القرار بقرار الرئيس الأميركي الأسبق، ديفيد أيزنهاور، عندما قرر وقف المعارك مع الألمان فقط "لأننا حاربنا وقتا طويلا ونشعر بالتعب الآن".
وتوقع أن تكون أفغانستان الجديدة "مثل هاييتي أو أسوأ من ذلك" وأن "تواجه مجاعة هذا الشتاء، وألا تصبح لعملتها "أي قيمة بحلول العام المقبل". وشكك في تصريحات مسؤولي طالبان بشأن أنها أصبحت أكثر انفتاحا، مشيرا إلى أن مسلحيها "ينفذون عمليات سرية" للبحث عن المسؤولين السابقين وقتلهم وقتل أفراد الأقليات الدينية. وتوقع أن تتبنى طالبان نظاما يشبه النظام الإيراني أي "مرشد أعلى وشخص مسؤول عن حكومة، أعضاؤها أشخاص ليس لديهم أي قدر من التعليم".
بوش في مواجهة أسامة بن لادن
ولأول مرة تحيي واشنطن الذكرى السنوية لهجمات 11 سبتمبر (أيلول) وهي ليست في حالة حرب، ففي بداية الشهر الحالي أنهت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن سحب جنودها من أفغانستان، منهية بذلك الحرب التي بدأها الرئيس الأسبق جورج بوش الابن، عقب رفض طالبان تسليم أسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة الإرهابي لواشنطن، ما دفع بوش الابن شن الحرب لإسقاط حكم طالبان في 7 أكتوبر (تشرين الثاني) 2011، حيث تولّى السلطة في أفغانستان حامد كرزاي المقرب من الغرب.
ولاحقاً أظهرت إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما موقفاً معارضاً للحرب، حيث سحب أوباما جزءاً من جنود بلاده من أفغانستان والعراق، وخلال فترة رئاسته الأولى قُتل أسامة بن لادن زعيم "القاعدة". أما الرئيس دونالد ترمب فقال أن اجتياح أفغانستان كان خطأ كبيراً، ووعد بعودة الجنود الأمريكيين إلى وطنهم، وبدأت المفاوضات مع حركة طالبان عام 2020. أما من أنهى الحرب فعلياً فكان الرئيس بايدن الذي واصل سياسة سحب الجنود التي بدأها سلفه ترمب.
تكلفة الحرب في أفغانستان
وفقاً لتقرير "تكلفة الحرب" الذي نشرته جامعتا هارفارد وبراون، فقد تسبب احتلال الولايات المتحدة لأفغانستان في خسائر كبيرة للبلدين، ووصل عدد القتلى في الحرب حتى الآن إلى 172 ألف شخص.
وأوضح التقرير أن ألفين و461 جندياً أمريكياً قتلوا في الحرب التي استمرت عشرين عاماً، فيما كان المدنيون الأفغان هم أكثر المتضررين من الحرب، ووصل عدد الذين قتلوا إلى 50 ألفاً. كما قُتل نحو 66 ألف جندي من الجيش الأفغاني الذي كان يحارب حركة طالبان، في حين قُتل 51 ألفاً و191 من طالبان، ومقاتلون من معارضين آخرين. كما قتل 1144 جندياً من الناتو.