كتب ناجي يونس في جسور:
يمر لبنان اليوم في مرحلة متناقضة كليًا وفي مختلف الاتجاهات تدفع إلى توقّع الشيء وعكسه وتبرّر مظاهر الثراء في بعض الأماكن وواقع البؤس في أماكن اخرى.
ومن أبرز الأمثلة أن حوالي 40% من اللبنانيين وقعوا تحت خط الفقر المدقع حيث يبلغ مدخول الفرد 2.5 دولارا في اليوم الواحد.
في المقابل يشير أكثر من خبير اقتصادي إلى تحقق نمو يزيد عن 2% في أوساط الذين يملكون الدولار نقدًا سواء داخل البيئة التجارية ومحيطها أم من بين الذين سحبوا أموالهم وأودعوها في منازلهم، أم الذين يتلقون الأموال نقدًا من الخارج.
وترجح التقديرات أن تصل القيمة الفعلية للدولار المتداول خارج الاطار المصرفي الى 15 مليارا.
الأسواق العقارية في طليعة القطاعات التي تأثرت بقرب انهيار لبنان بينما تحقق الصناعة تقدمًا وتزيد صادراتها على 4 مليارات دولار، بينها نمو صادرات الصناعات الغذائية من 600 مليون دولار عام 2019 الى 920 مليون دولار عام 2021.
وبحسب تقديرات الصناعيين فإنه حين تعود المياه الى مجاريها مع دول الخليج وتستعيد حركة التصدير وتيرتها المعتادة، سترتفع قيمة صادرات الصناعات الغذائية الى مليار و500 مليون دولار سنويا.
ويشير الخبير في شؤون الأسواق العقارية رجا مكارم إلى أن الحركة العقارية متوقفة تمامًا فلا المصارف توفر القروض ولا العاملون في القطا العقاري يطلقون مشاريع بناء جديدة، ولا المستهلكون قادرون على شراء شقق.
ويقول مكارم ل"جسور" إن الحركة العقارية كانت نشيطة جدًا بين عامي 2019 و2020 حيث أنجزت الأكثرية الساحقة من المبيعات بشيكات الدولار وليس بالدولار الفرش مما أدى الى بيع الجزء الأكبر من الشقق.
وتشهد الأسواق اليوم جمودًا قاتلا بعدما انخفضت الأسعار الى النصف تقريبا حيث يسعى من يملك الدولار الفرش الى اقتناص الفرص واللقطات الثمينة بابخس الاسعار اذا جاز التعبير، بينما يمتنع المالكون عن البيع الا إذا كانوا مضطرين إلى ذلك بشكل كبير.
وتقتصر الحركة العقارية على تأجير المنازل بالدولار وبتقدير مكارم ان الاسعار توازي نصف ما كانت عليه قبل عام 2019 وربما أقل.
ومع رفع سعر الصرف الرّسمي لليرة اللبنانية 10 أضعاف طرح السؤال حول مصير القروض السكنية بالدولار حيث أشار أكثر من خبير إلى ان اقساطها لن ترتفع بعد تطبيق هذه التسعيرة الجديدة بالقدر نفسه من دون الحسم ما إذا كانت ستبقى بالقيمة نفسها أو ما إذا كانت ستزيد بقدر معيّن.
ومن تناقضات الواقع اللبناني أن التهريب لا يزال يوازي نصف الاستيراد وان الدعم لا يزال جزئيًا على الدولار الجمركي (15 الف ليرة) الا أن المستورد هو المستفيد وترتفع استفادته اكثر كونه يبيع السلع المستوردة حسب سعر السوق السوداء.
وقد تكون زيادة أجور العاملين في القطاع العام 3 اضعاف سببًا أساسيا في ارتفاع سعر صرف الدولار بالتالي ازدياد التضخّم من دون سقوف.
وفي حالة مماثلة يؤكد مكارم أن موظفي القطاع العام سيكونون من بين الفئات التي ستتحمّل التردي بكل أوجهه بينما سيحافظ من انخرطوا في لعبة الدولار على واقع شبه متوازن.
بتقديره أن الدولة ستعجز عن استيفاء الرسوم بالقيمة المتوقعة في موازنة عام 2022 مما سيزيد العجز والتضخم بشكل كبير جدًا، الامر الذي سيوقع المزيد من السلبيات على مختلف المستويات والقطاعات.
وأمام واقع مماثل، يخشى مكارم لجوء الدولة الى سبيلين قاتلين وهما: استمرار الانفاق من دون سقف، والزام مصرف لبنان بتأمين التمويل بموجب المادة 91 من قانون النقد والتسليف وزيادة الأجور تباعًا وطبع العملة بغض النظر عن المستويات التي قد يبلغها التضخم.
ولجأت دول عدة الى تجارب مماثلة وكانت النتائج كارثية بينها فنزويلا.
وتظهر بعض الاحصائيات أن الاقتصاد اللبناني أصبح مدولرًا بنسبة 80% وان الطبقية ستبلغ ذروتها حيث لا تزال قلة قليلة قادرة على تحقيق ارباح مقابل تراجع الرواتب الى اقل من 200 دولار في القطاع العام مع الزيادة المرتقبة... اما القطاع الخاص فالفوضى تتحكم به.
إشارة الى ان الاحتياطي الالزامي لدى مصرف لبنان تراجع من حوالي 40 مليار دولار عام 2019 الى 11.1مليار دولار نهاية تموز الماضي.
ويتخوف المتابعون من تراجع هذا الاحتياطي الى معدل سيعجز معه مصرف لبنان عن التدخّل في الأسواق المالية... وعندها سيكون الويل والثبور وعظائم الامور.