كتب ابراهيم ريحان في جسور:
فاجأ ما يحصُل في إيران المنطقة برمّتها، وإن ليسَت المرّة الأولى التي تشهد فيها إيران تظاهرت مُناهضة لنظام الحُكمِ فيها.
تقود المرأة الانتفاضة هذه المرّة، وهذا ليسَ تفصيلاً. نسوةٌ يخلَعنَ الحِجاب علانية وعلى مرأى من "شرطة الأخلاق" و"الباسيج" وعناصر "حرس الثّورة". تمسّ هذه الخطوة الاعتراضيّة بجوهر نظام الحُكم وشرعيّة النّظام الإيرانيّ.
كانَ مقتل مهسا أميني الشّرارة التي أطلقت عِنَان الانتفاضة، لكن بالطّبع لولا وجود أسباب تجمّعت على شكل برميل بارود لما انفجَرَت الانتفاضة هذه المرّة.
أوّلاً: زَادَ النّظام في السّنوات الـ15 الأخيرة من المُمارسات الدّيكتاتوريّة تجاه الشّعب الإيرانيّ. على سبيل المِثال لا الحصر، تزوير نتائج انتخابات 2009 لمصلحة محمود أحمدي نِجاد على حساب مُرشّح التيّار الإصلاحي مير حسين موسوي، تبعَ ذلك القمع الوحشيّ للمتظاهرين الذين اعترضوا على التزوير.
ساعَدَ النّظام يومها غضّ النّظر الذي اعتمدته إدارة الرّئيس الأميركيّ الأسبق باراك أوباما الطّامعة باتفاق نوويّ مع إيران، وهذا ما كشفته لاحقاً الإيميلات المُسرّبة لوزيرة الخارجيّة حينها هيلاري كلينتون.
يُضاف إلى تزوير انتخابات نِجاد المجيء بالرّئيس إبراهيم رئيسي بتعيين من مكتب المُرشِد تحت صورة الانتخابات. فمكتب الإرشاد عمِل كلّ ما في وسعه لتعبيد الطّريق الرّئاسيّ أمام رئيسي عبر إقصاء كُلّ المرشّحين الجدّيين في وجهه مثل رئيس مجلس الشّورى السّابق علي لاريجانيّ والرّئيس الأسبق محمود أحمدي نِجاد، ومُقاطعة التّيّار الإصلاحيّ للانتخابات.
انعكسَت هذه الخطوة بانخفاض نسبة المُقترعين، إذ فازَ رئيسي بـ17 مليون صوت (حسب الإعلام الرّسميّ)، فيما نالَ مُنافسه الأقرب محسن رضائي 3 مليون صوت فقط. الجدير بالذّكر أن آخر انتخابات في 2017 فازَ بها حسن روحاني بـ25 مليون صوت مُقابل 14 مليون لرئيسي.
يؤشّر فارق الأرقام لجهة مُشاركة الإيرانيين في الانتخابات على امتعاضٍ شعبيّ من طريقة مكتب الإرشاد في فرض الرّؤساء على الإيرانيين.
ثانياً: أمعَنَ النّظام الإيرانيّ في اعتماد سيّاسةٍ خارجيّة انعكسَت سلباً على الدّاخل.
نبدأ من سيّاسة طهران تجاه النّزاع بين أذربيجان (ذات الأغلبيّة الشّيعيّة) وأرمينيا، إذ وقَفت إيران بشكلٍ علنيّ إلى جانب أرمينيا وإطلاق التهديدات ضدّ باكو وحشد الجيش على حدودها. جدير بالذّكر أنّ الآذريين يُشكّلون حوالي الـ20 إلى 25% من مجموع الشّعب الإيرانيّ.
هذا ما حرّكَ النّزعة القوميّة لدى الآذريين الإيرانيين، وزادَ الرّغبة في الانفصال. كما تُفسّر هذه السّياسة خروج تظاهرات في إقليم أذربيجان الإيرانيّ حملَ فيها المتظاهرون العلمَ الأذربيجانيّ، وأعلنوا صراحةً رغبتهم في الانضمام إلى أذربيجان.
كما الآذريون، كذلك العرب والأكراد. يرتبط عرب الأهواز ارتباطاً تاريخيّاً بعرب العراق، وتحديداً بالبَصريين (أهل البصرة). شكّلَ القمع الذي مارسته الميليشيات الموالية لإيران في العراق سبباً هو الآخر لرفع نزعة الانفصال لدى عرب إقليم الأهواز ذا الغالبيّة الشّيعيّة. يُضاف إلى ذلك التمييز العرقيّ الذي يُمارسه النّظام تجاه العرب في الإقليم وفي بندر عبّاس.
أمّا الأكراد فمثلهم مثل حال العرب والآذريين. لكنّ أهم ما حرّك الأكراد هو أصول مهسا أميني الكرديّة. يُضاف إلى ذلك النّزعة التّاريخيّة للأكراد في العراق وسوريا وتركيا وإيران بتشكيل دولتهم المُستقلّة.
كثّفَ النّظام أخيراً من عمليّاته في إقليم كردستان الإيرانيّ، حيثُ أعلن الحرس الثّوريّ غير مرّة عن مواجهات ضدّ الانفصاليين الأكراد. زادَ من الاحتقان الكُرديّ تنسيق نظام طهران مع تركيا والنّظام السّوريّ لتشكيل جبهةٍ واحدة ضدّ أكراد سوريا المدعومين من الولايات المُتحدّة.
كما يُضاف إلى ذلك قصف النّظام الإيرانيّ قبل أشهر لمدينة أربيل عاصمة إقليم كردستان العراق بصواريخ باليسيتيّة عدة، زعمَ حينها أنّها استهدفت مقرّاً للموساد الإسرائيليّ، وكذلك استهداف مسيرّات الحرس الثّوريّ لأهداف مُختلفة في المدينة غير مرّة.
ثالثاً: تزايد الامتعاض الدّاخليّ من تمويل إيران لأذرعها في لبنان وسوريا واليمن والعراق وقطاع غزّة على حساب الشّعب الإيرانيّ الذي يرزح أكثر من نصفه تحت خطّ الفقر. تُموّل إيران الأذرع العابرة للحدود بمليارات الدّولارات، ما دفع شخصيّات مثل محمود أحمدي نجاد للاعتراض علناً على هذه السياسة غير مرّة.
رابعاً: تنعكس العقوبات الأميركيّة ضغطاً اقتصاديّاً واجتماعيّاً على الدّاخل الإيرانيّ. يتدهور سعر صرف الدّولار بشكلٍ يوميّ في إيران، ما زاد من نسبة التضخّم والبطالة، علماً أنّ دولةً بمُقدّرات إيران قد تكون من أغنى 10 دول في العالم. أدّت العقوبات إلى رفع مستوى الفساد والمحسوبيّات في إيران إلى مستوى غير مسبوق، وظهرت طبقة من الأوليغارشيّة المُنضوية تحت عباءة النّظام والمرشد الإيرانيّ، فيما تزداد نسبة الفقر والعوز لدى الشّعب الإيرانيّ.
كثيرة هي الأسباب التي تدفع الشّعب الإيرانيّ للانتفاض. لكنّ الأهم يبقى في جديّة الدّول الغربيّة في دعمِ الشّعب، ففي كلّ مرّة مثل 2009 و2019 يُترك الإيرانيّون لمصيرهم، فهل يُتركون هذه المرّة؟ أم يدعم الغربيّون وعلى رأسهم الولايات المُتحدة انتفاضة الإيرانيين؟ الأيّام كفيلة بالإجابة.