كتبت مايا هاشم في جسور:
أدّى موت الشَّابة الإيرانية الكردية مهسا أميني، البالغة من العمر 22 عاماً، إلى إطلاق شرارة الاحتجاجات التي امتدت إلى كل أنحاء إيران، بعدما أثار خبر وفاتها غضباً واسعاً إثر اعتقالها من قبل "شرطة الأخلاق" في البلاد لانتهاكها قواعد اللباس "المحتشم" بحسب الشرطة.
وتُعتبر هذه التظاهرات التي انطلقت على خلفية مقتل أميني إحدى أكبر الاحتجاجات الشعبية،ما يجعل خريف إيران في مهب الريح.
نساء يتصدَّرن المشهد
تقف النساء في الصفوف الأمامية يرفعن شعار "المرأة،الحياة،الحرّية"، وهو شعار رفعته أيضا كرديات في تركيا سابقاً إثر خروجهن في مظاهرات للمطالبة بالحقوق القومية للأكراد في تركيا منذ حوالي 20 عاماً.
تجوب المظاهرات المدن الإيرانية وسط مشاركات طلابية كثيفة وإضرابات عمالية تشلُّ البلاد مع صرخات مؤيّدة لحقوق المرأة وأخرى منددة بالسياسة الداخلية للبلاد.
مطالبات تتعدّى الحجاب
لم تكتف النساء الإيرانيات بإطلاق شرارة التغيير الذي بات مُحتّماً في بلادهن بل يضغطن بكل ما أوتين من قوّة لتغيير واقعٍ اجتماعي تفرضه السلطات في البلاد بحكم "الشريعة والقيود".
تظاهرات تأخد في طابعها العريض تغيير واقعٍ اجتماعي يتمثّل بالزّي النّسائي والذي ُيعتبر رمزاً من رموز الدَّولة وسياستها الداخلية. بل تتوسع هذه الاحتجاجات لتأخذَ طابعاً اجتماعياً وسياسياً مرتبطاً ببعضه البعض بعيداً عن العقيدة الفقهية بمسألة الحجاب، لتطال جوانب الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية معاً.
خريفٌ قاسٍ وتحديَّات بالجملة
تُعتبر الاحتجاجات التي تعم إيران حالياً بمثابة التحدي الأكبر الذي تواجهه البلاد منذ احتجاجات الحركة الخضراء عام 2009، لأنها تضغط لتغيير واقعٍ اجتماعي يتمثل بزّي المرأة وهو موضوع لا يمكن المساس به بالنسبة للنظام الداخلي للدولة، مرورا بالانهيار الاقتصادي الذي تعيشه البلاد وزيادة نسبة الفقر والبطالة فيها، ناهيك من ملف الاتفاق النووي الذي يُحرج الولايات المتحدة فيما لو اتفقت مع إيران على صيغة مشتركة من أجل إعادة إحياء الاتفاق، في ظل وصف واشنطن السلطات الأمنية الإيرانية التي تتصدّى للمحتجين بأنها "تقمع الحريات".
البحث عن خليفة المرشد
معاكسات تدور في سماء إيران تصل إلى نقطة تعتبر الأكثر حساسية في البلاد تتمثّل بالمرحلة الانتقالية المقبلة والتي يدور في فلكها سؤال عنوانه: من هو خليفة المرشد الأعلى للثورة الإيرانية علي خامنئي، وبالتالي يترتب على المرحلة المقبلة ما يفيض ويزيد من التغييرات الحتمية في حال بقي النظام صامدا.
مرحلة انتقالية
احتجاجات عدة لازمت الجمهورية الإسلامية على مدى عقود استطاع النظام كبح جماحها والسيطرة عليها وكان أبرزها الاحتجاجات المعيشية عام 2017 في عهد روحاني واحتجاجات الحركة الخضراء عام 2009 كذلك احتجاجات طلاب جامعة طهران في عهد خاتمي كلها احتجاجات نجح النظام في ضبطها، إلا أن الأخيرة تحيط بها ملفات شائكة أبرزها خليفة خامنئي والاتفاق النووي والضغوط الاقتصادية والمطالبة الشعبية بتغيير واقعٍ اجتماعي ملازم للجمهورية الاسلامية، وسط كل هذه الضغوط تجد إيران نفسها أمام مفترق طرق ربما لا يصح القول بأنها أمام ربيع فارسي أو غيمة صيف عابرة فوق سماء إيران، بل هو بمثابة إنذار شديد اللهجة لتغيير جذري على نظام يُمهّد لثورة فعلية مرتقبة.