بالنسبة إلى ما قد تقدم عليه إسرائيل بعد فوز اليمين المتطرّف فيها برئاسة نتانياهو فيرى الباحث هشام ملحم في هذا الجزء من الحديث لـ "جسور" أنّه "يجب عدم إغفال انتخاب نتنياهو في إسرائيل للمرة الثالثة كرئيس للوزراء وتشكيله الذي بات حتميًّا للوزارة. فهذا يعني عمليًّا أنّ امكانيّة إحياء الاتفاق النووي أصبحت مستحيلة. فللجمهوريّين علاقة قوية جدًّا مع نتنياهو."
ويستذكر ملحم في هذا السياق "عندما كان نتنياهو في الحكم في زمن رئاسة باراك أوباما الديمقراطي للجمهورية، كيف قام الجمهوريون أنفسهم بدعوته للتحدّث في الكونغرس، على الرغم من معارضة الرئيس أوباما آنذاك لهذه الخطوة؛ عندها تحدث نتانياهو مهاجما سياسة الرئيس الأميركي بالنسبة إلى الاتفاق مع إيران، بوجود رئيس ديمقراطي في البيت الأبيض. وما يجب الانتباه إليه في هذه المرحلة أنّ نتنياهو ليس في مزاج إجراء اتفاقات مع واشنطن بالنسبة إلى إيران. حيث سيكون توجّهه أكثر لصالح الجمهوريين."
ويعتقد ملحم"أنّ احتمال ضرب إسرائيل لإيران عسكريًّا من قبل نتنياهو صعبة، وهو لا يملك الشجاعة لهذه المسألة، مع العلم أنّ هذه الفرصة توفرت له أكثر من مرة في فترة حكمه الماضية." ويلحظ ملحم أنّه " بحسب حسابات نتنياهو، في حال أراد ضرب إيران، فهو فقط سيكون البادئ على أن تكمل الولايات المتحدة الأمريكية عمله وتنهي هي نفسها الطلقة الاخيرة." لكنّ هذه المسألة أوضحها أوباما لنتنياهو يوم كان رئيسًا لأمريكا.كذلك الرئيس ترامب الذي اعتمد سياسة الضغط حتى المرحلة القصوى ضد إيران، رفض ضربها هو أيضًا.
ويستذكر ملحم في السياق عينه ما حدث في العام2019 عندما شنّت إيران هجوما على منشآت النفط في السعودية، حيث خلصت الاستخبارات الأمريكية إلى نتيجة مفادها أن إيران مسؤولة عن هذا الهجوم، وليس الحوثيين عبر مسيرات حديثة الصنع وصواريخ ذكيّة؛ مع التأكيد على أن الولايات المتحدة الأمريكية لم تردّ آنذاك على هذا الهجوم، لا بل بعد تلك المرحلة قام ترامب بسحب إحدى بطاريات صواريخ الباتريوت من السعودية بعد التوتر الذي شهدته علاقته مع ولي العهد محمد بن سلمان.
ويستنتج ملحم أنّ " ما لم ينسه السعوديون والإماراتيّون أن ترامب نفسه الذي يرفع سيفه ضدّ إيران بقي صامتًا ولم يرد على هذا الهجوم."
ويستعيد ملحم في هذه المرحلة أيضًا كيف قامت الجمهورية الإسلامية في إيران بإسقاط الدرون الحديثة جدًّا فوق مضيق هرمز حيث ادّعى الإيرانيون أنهم أسقطوها عندما كانت فوق الأجواء الإيرانية لكن الأمريكيين يقولون أنهم أسقطوها فوق المياه الإقليمية الدولية.
ويستنتج ملحم أنّ " ترامب لم يرد على هذا الهجوم بشيء لأنه لا يريد التورط بحربين في الشرق الاوسط"؛ كذلك الخلاف الذي وقع بينه بين وزير دفاعه ماتيس أنذاك، لانه كان يريد سحب القوات الأمريكية بالكامل من سوريا، ما اضطرّه إلى الاستقالة؛ كما كشفت المعلومات أنّه كان يريد الخروج من أفغانستان قبل تلك المرحلة أيضًا. فضلاً عن أنّ براغماتيّة الرئيس ترامب المقتنع بأنّ الولايات المتّحدة الأميركيّة لا تريد التورّط بحروب لا نهاية لها، قد أدّت إلى الوصول إلى ما وصلنا إليه في تلك المرحلة.
في المحصّلة،بالنسبة إلى الشرق الاوسط ترتبط السياسة الأمريكية الخارجية بهذه المسائل مجتمعة ولا يمكن إغفال أي واحدة منها. فبعد وصول الجمهوريين إلى الحكم في الولايات المتحدة الأمريكية سياسة التعاون حتما إلى تحسين العلاقات مع نتنياهو. وهنا سيجد الرئيس الحالي (بايدن) نفسه في مواجهة معهم، وهذه المرحلة تشبه إلى حد كبير المواجهة التي كانت سائدة بين الرئيس أوباما والجمهوريين عندما تفاوض مع الإيرانيين. عن فضلا عن المعارضة الإسرائيلية لهذا الاتفاق في تلك المرحلة.
هناك احتمال بسيطرة الحزب الجمهوري على مجلس النواب ولكن بأكثرية بسيطة جدًّا. ما يعني ذلك بحسب ملحم " أنّ تأثير الجمهوريّين في سياسة بايدن الخارجية لن يكون جذريًّا. ولكنّهم ممكن أن يقلصوا من حجم المساعدات المالية لأوكرانيا لأنّ تخصيص الاعتمادات المالية هو من صلاحيات مجلس النواب."
ويختم ملحم حديثه لـ "جسور "مؤكّدًا أنّ" الصورة لا تزال غير واضحة في مجلس الشيوخ . وأن هناك احتمالاً ببقاء هذا المجلس في الصف الديموقراطي ." ويؤكّد أنّ "ما يسمّى بالموجة الحمراء أو الموجة الجمهورية في الانتخابات لم تتحقّق، في تحدّ واضح للنمط التاريخي" أي بمعنى آخر إنّ الديمقراطيّين قد تصدّوا للنمط التاريخي للإنتخابات النصفيّة، ويبدو أنّ خوف الأميركيين على ديمقراطيّتهم هو الذي شكّل بوصلة تصويتهم. وهذا ما قرأه الرئيس الحالي جوزف بايدن في رسالة واضحة من الشعب الأميركي، وبالتحديد الناخب الديمقراطي، بضرورة صيانة ديمقراطيّته الاميركيّة التي لطالما شكّلت مثالاً يحتذى به للعالم أجمع.
ولعلّ هذا الفوز الناقص للجمهوريّين قد يؤثّر في قرار الرئيس السابق دونالد ترامب الذي سيعلن عن ترشيحه لولاية ثانية في الخامس عشر من الشهر الحالي.
فهل من إحتمال لأن تشهد السياسة الأميركيّة تبدّلاً في الاستراتيجيّات قد تتمظهر بدايته في لبنان؟ وبإنتظار ما سيحدث في إيران الذي إن حدث المرتقب، فهل ممكن أن يتغيّر وجه المنطقة برمّته على ضوء احتدام الصراع الجمهوري - الديمقراطي القادم؟