في 22 سبتمبر/ أيلول من العام 1964، خرج رئيس الجمهورية اللبنانية فؤاد شهاب (الزاهد في الرئاسة) وكان قد بلغ من العمر 62 عامًا من مقر الرئاسة الاولى في صربا بصمت، بعدما أنهى ولايته الرئاسية التي استقال منها في 20 يوليو/تموز عام 1960، أي بعد سنتين من إنتخابه في 31 يوليو/تموز عام 1958 لإيمانه بأن الحياة السياسية إنتظمت بعد الإنتخابات النيابية التي أجراها وإنبثق عنها مجلس نيابي مرشح للتعاون مع الرئيس الجديد.
صمت الرئيس شهاب لا يزال يصدح في الجمهورية اللبنانية رافعًا صدى الإنجازات التي تحققت في عهده، كيف لا وهو الذي كان يردد دائمًا "كي تعيش سعيدًا.. عش في الخفاء".
في 30 أكتوبر/تشرين الأول من العام 2022 ، يخرج رئيس الجمهورية اللبنانية ميشال عون (المهووس في الرئاسة) البالغ من العمر 89 عامًا من مقر الرئاسة الأولى في بعبدا بإحتفالات شعبية (عونية) بعدما أنهى ولايته الرئاسية. هو الذي أدخل لبنان في فراغٍ رئاسي لمدة عامين ونصف بعد تعطيله وحلفاؤه 45 جلسة إنتخاب رئاسية بهدف الإستيلاء على الرئاسة .
صدى هذه الإحتفالات جاء لتغطي على فشل عهدٍ أوصل البلاد إلى الحضيض كيف لا وهو القائل إننا "ذاهبون إلى جنهم".
ما أنجزه فؤاد شهاب دمّره ميشال عون
رغم التشابه الكبير بين الرئيسين شهاب وعون لناحية الخلفية العسكرية وقيادتهما لحكومات إنتقالية وتوليهما سدة الرئاسة، إلا ان فارق الإنجازات كبير فما أنجزه الرئيس فؤاد شهاب دمره الرئيس ميشال عون.
شهاب حفاظ على الدولة ومؤسساتها
في الأول من أغسطس/آب عام 1945، اختار الرئيس الشيخ بشارة الخوري الكولونيل فؤاد شهاب قائدًا للجيش، وقد تحققت في ظل قيادته إنجازات جبّارة على الصعد كافة، لكن الأهم كان سعيه الدائم إلى أنسنة المؤسسة العسكرية مهتمًا بالجنود اهتمامه بضباط الرتب العالية، فأنشأ لهم المساكن وأعطاهم الكثير من الضمانات الإجتماعية..
وفي 18 سبتمبر/ أيلول من العام 1952 تسلّم اللواء شهاب رئاسة الحكومة الموقتة إثر استقالة رئيس الجمهورية الشيخ بشارة الخوري ورئيس الحكومة صائب سلام.
أمضى الجنرال شهاب الأيام الثلاثة الأولى 18و19و20 سبتمبر/أيلول في مكتبه ولم يدخل مكتب رئاسة الوزراء حيث يجب أن يكون إلاّ في 21 سبتمبر/أيلول. وفي 23 سبتمبر/أيلول 1952 انتخب كميل شمعون رئيسًا للجمهورية.
حاول الجنرال شهاب الحفاظ على الدولة ومؤسساتها خلال توليه المسؤوليات سواء في قيادة الجيش، أو في رئاسة الحكومة الموقتة (التي دامت 12 يومًا فقط)، أو حتى عندما تسلم وزارة الدفاع ( في 18 نوفمبر/تشرين الثاني 1956 مع احتفاظه بقيادة الجيش) وصولاً إلى رئاسة الجمهورية.
عون أمعن في تدميرها
على عكس الرئيس ميشال عون الذي صادفته ظروفٌ مشابهة للرئيس شهاب، إلا انه أمعن في تدمير الدولة ومؤسساتها (بسبب جنون العظمة) منذ توليه قيادة الجيش في 23 يونيو/حزيران من العام 1986، فقيادة الحكومة الإنتقالية العسكرية، والوزارات (الدفاع، الإعلام، الخارجية، التربية، الداخلية إلى جانب رتبته العسكرية)، ولم يترك هذه المناصب إلا بعد إتفاق الطائف - الذي كان ولا يزال من أشدّ الرافضين له – عندما أقاله الرئيس الراحل الياس الهراوي - مع وصوله إلى سدة الرئاسة بعد إغتيال الرئيس الشهيد رينيه معّوض - من قيادة الجيش، كما أمره بالخروج من القصر الجمهوري في بعبدا على الفور، لكن عون لم يتجاوب.
وفي 13 أكتوبر/تشرين الأول عام 1990 إستسلم العماد عون (هرب إلى السفارة الفرنسية) بعد اقتحام القوات السورية - اللبنانية قصر بعبدا، بعد أن أدخل البلاد في حروب متعددة نتج عنها آلاف الضحايا من مدنيين وعسكريين ليُنفى بعدها إلى فرنسا.
حصيلة إنجازات العهدين
بالعودة إلى ملف الإنجازات، ففي 6 سنوات إستطاع الرئيس شهاب بناء المؤسسات وتنظيمها بالإضافة إلى تنفيذ مشاريع إصلاحية واجتماعية فضلاً عن إقرار سلسلة من القوانين ساهمت برفع إسم لبنان ووضعته على الخارطة الدولية، على سبيل المثال لا الحصر:
- إنشاء مصرف لبنان المركزي وتدشين بنائه
- وضع قانون النقد والتسليف
- إنشاء المجلس الوطني للسياحة
- تنظيم وزارة التخطيط
- إنشاء المجلس الوطني للبحوث العلمية
- قانون التنظيم المدني الشامل لكل لبنان
- وضع أول خطة وطنية عامة للإنماء
- إنشاء المشروع الأخضر
- إنشاء الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي
- تنظيم عمل الأجانب في لبنان
- إنشاء تعاونية موظفي الدولة
- إنشاء معرض طرابلس الدولي
- إنشاء مجلس الخدمة المدنية
- إعادة تنظيم التفتيش المالي وديوان المحاسبة
- إعادة تنظيم مجلس القضاء الأعلى ومجلس شورى الدولة ومعهد الدروس القضائية والمحاكم الشرعية
- إنشاء كلية الحقوق في الجامعة اللبنانية
- إنشاء الحوض الثالث لمرفأ بيروت
- توسيع مطار بيروت الدولي
- إنشاء مرفأ جونيه
بالإضافة إلى تنفيذ قسم من خطة التنمية الشاملة لكل المناطق بإيصال الماء والكهرباء والطرق المعبدة الى عدد كبير من القرى النائية.
أما فيما يتعلق بإنجارات عهد الرئيس عون خلال السنوات الست فهي على سبيل المثال لا الحصر:
- تدمير القطاع المصرفي بكامله
- إنهيار العملة الوطنية
- إحتجاز أموال المودعين
- تخلف لبنان عن تسديد اليوروبوند
- إفلاس خزينة الدولة
- تدمير المؤسسات السياحية
- إفلاس المؤسسات التجارية
- ضرب القطاع التعليمي والإستشفائي
- هروب الرساميل والإستثمارات
- إرتفاع نسبة البطالة
- زيادة كبيرة في نسبة التضخم
- إنقطاع التيار الكهربائي بمعدل صفر إنتاج
- إنقطاع المياه عن المناطق اللبنانية كافة
- ظهور طوابير الذل (بنزين/خبز)
- ظهور سوق السوداء
- إرتفاع نسبة الجرائم والقتل والإنتحار
- عزل لبنان عن محيطه العربي والغربي
- تعطيل مؤسسات الدولة
- تعطيل تشكيل الحكومات
- إنتفاضة ثورة 17 تشرين
- إرتفاع نسبة الهجرة
- إرتفاع عدد ضحايا زوارق الموت (هربًا من جهنم)
- ضرب الجسم القضائي
- التفريط في ثروة لبنان النفطية
وطبعًا لا نستطيع أن ننسى إنفجار مرفأ بيروت الذي صُنف كثالث أكبر انفجار في العالم والذي أودى بحياة أكثر من 200 ضحية بالإضافة إلى 7000 جريج و 300 ألف مشرد، فضلاً عن تدمير أكثر من 50 ألف وحدة سكنية ناهيك عن الخسائر المادية التي تجاوزت الـ 15 مليار دولار أميركي.
الفارق بين العهدين.. "دولة"
الفارق بين العهدين أن الرئيس فؤاد شهب لم يكن لديه حزب أو نواب أو أنصار، والأهم من ذلك أنه منع أقاربه التعاطي في الشأن السياسي أو التدخل بأعماله، وعند مغادرته مقر الرئاسة - الذي لم يكن يبيت فيه أصلاً بل كان يأتيه عند الفجر ويغادره أول الليل – عاد الرئيس شهاب إلى منزله المتواضع في منطقة جونية حيث مكث به حتى وفاته.
أما الرئيس عون الذي أدخل عائلته وأصهرته وأقاربه إلى الدولة ها هو يسعى اليوم إلى توريث صهره إرثًا سياسيًا وماليًا وحزبيًا، كيف لا وهو الخارج من قصر بعبدا على وقع الإحتفالات بالـ "إنجازات" التي تحققت في عهده، ليسكن في فيلته الجديدة التي أُنجِز بناؤها وتجهيزها في منطقة الرابية بتكلفة 6 ملايين دولار أميركي!
ليصُح القول: ما بين عهديّ فؤاد شهاب وميشال عون.. "دولة"!