منذ إنتصار الثورة الاسلامية في ايران بقيادة الامام الخميني في شباط / فبراير 1979 وهي تشغل بال العرب والعالم ، وقد رحب الكثير من العرب بهذه الثورة الاسلامية خصوصا انها اعلنت نصرة القضية الفلسطينية وحوّلت سفارة الكيان الصهيوني في طهران الى سفارة فلسطين ، كما أعلنت نصرة المستضعفين والوقوف الى جانب الشعوب المظلومة ، كما نجحت هذه الثورة باعادة تأكيد دور الدين وعلماء الدين في التغيير السياسي والاجتماعي ورفعت شعار : لا شرقية ولا غربية.
لكن بعد فترة قصيرة على الترحيب الواسع بانتصار الثورة الاسلامية وقيام الجمهورية الاسلامية ، بدأنا نشهد الخلافات حولها ومعها ، وذلك اما لاسباب مذهبية او قومية او بسبب تصريحات بعض قادتها الداعية الى تصدير الثورة الى دول المنطقة ، وللاسف شنّت حملة اعلامية وفكرية قاسية ضد الجمهورية الاسلامية وتوّجت بعد ذلك بحرب واسعة من قبل نظام صدام حسين مدعوما من بعض القوى الكبرى وبعض الدول العربية ، وذلك تحت عنوان خلافات حدودية او بسبب اتفاقيات سابقة او للرد على تدخل ايران في الشؤون العراقية .
واستمرت هذه الحرب ثماني سنوات ادت الى خسائر كبرى في الارواح والماديات وتدمير البلدين ، ولم نخرج منها الا وقد دخل صدام حسين في حرب اخرى ضد الكويت لاسباب مالية واقتصادية ، وقد مهّد كل ذلك لقيام اميركا وحلفائها بشن حرب واسعة ضد العراق وتعرضه لحصار شديد وصولا لاسقاطه عام 2003.
وطيلة السنوات الثلاث والاربعين من عمر الجمهورية الاسلامية الايرانية، والعلاقات بينها وبين الدول العربية بين مدّ وجزر ، احيانا تهدأ الأوضاع نسبيا واحيانا تعود للتوتر ، وذلك اما بسبب الخلافات المذهبية واتهام ايران بنشر التشيع في بعض الدول العربية، او بحجة تدخلها في شؤون بعض الدول العربية أو دعمها لمجموعات سياسية وحزبية وعسكرية في هذه الدول.
ولا يمكن في هذه المقال استعراض كل اسباب التوترات بين ايران والعرب طيلة الفترات الماضية ، لكن رغم كل اجواء التوترات فقد جرت العديد من المحاولات لاطلاق حوار عربي – ايراني لتخفيف هذه التوترات والبحث عن القضايا المشتركة ووضع رؤية مستقبلية للتعاون العربي – الايراني.
وقد كان لمركز دراسات الوحدة العربية باشراف مؤسسه المرحوم الدكتور خير الدين حسيب الدور الاساسي في اطلاق الحوار العربي – الايراني ، وقد عقدت جولتان في تسعينيات القرن الماضي ، الاولى في العاصمة القطرية ( الدوحة) والثانية في طهران ، ومن ثم تتالت المؤتمرات التي تبنت هذا الحوار ومنها سلسلة مؤتمرات في بيروت بدعوة من المركز الاستشاري للدراسات والتوثيق وبالتعاون مع الجامعة اللبنانية وجريدة السفير ومراكز ايرانية متنوعة ، وصولا لسلسلة دعوات حول الحوار العربي – الايراني- التركي- الكردي ، والتي تبنّاها عدد من المفكرين والمؤسسات العربية، كما طرح موضوع الحوار في جامعة الدول العربية من قبل الامين العام الاسبق الدكتور عمرو موسى ، كما شهدنا حوارات عربية – ايرانية في العديد من المراكز الفكرية.
لكن رغم كل الجهود التي بذلت طيلة الاربعين سنة الماضية لدعم الحوار العربي – الايراني ، فان العلاقات العربية – الايرانية لم تستقر على حال ، بل بقيت في حالة توتر وقلق ، وللاسف فان هذه العلاقات شهدت في السنوات العشر الاخيرة اسوأ مراحلها ، ويدفع العرب والايرانيون أثمانا كبيرة بسبب هذا التوتر ، وشكل ذلك حجة لدى بعض الدول العربية من اجل التطبيع مع العدو الصهيوني ( بغض النظر عن صحة ذلك) .
واليوم وفي ظل وجود مؤشرات قوية لتوصل ايران والدول الكبرى الى اتفاق نووي جديد ، مما قد يؤدي الى الغاء العقوبات على ايران وزيادة دور ايران الاقليمي، كما توقعت دراسة خاصة صادرة أخيرا عن مركز الاهرام للدراسات الاستراتيجية ، فان ذلك يتطلب اعادة البحث مجددا في تفعيل الحوار العربي – الايراني ، ولعل ما جرى على صعيد الحوار السعودي – الايراني ، والحوار الاماراتي – الايراني، وبعض اللقاءات الايرانية – الخليجية ضمن مؤتمرات امنية ، اضافة لفتح قنوات امنية بين ايران وبعض الدول العربية يشكل مؤشرا ايجابيا قد يكون ممهّدا لحوار عربي – ايراني واسع وشامل .
فلماذا لا تطلق اليوم دعوات اوسع للعودة الى هذا الحوار ووقف كل اشكال التوترات والاتفاق على رؤية عربية – ايرانية مشتركة حول معالجة الهموم المشتركة بدل ان نظل غارقين في الصراعات والحروب والازمات وخسارة الثروات المادية والبشرية .
الم يحن الاوان كي نتعلم من اخطائنا ونترك الخلافات التاريخية والمذهبية ونبحث عن المستقبل المشترك لنا جميعا؟