كتب خالد العزي في جسور:
لا شك أن الحوار اللبناني - السوري بشأن ترسيم الحدود البحرية قد أفشل من قبل النظام السوري شكليا، متذرعا بغياب البروتوكولات التي تنص عليها عملية التفاوض، وبغياب الدولة رسميا في هذه المفاوضات، وخصوصا مع خروج الرئيس عون من القصر، حيث تأمل سوريا مع الروس مواصلة البحث مع العهد القادم الذي قد يقدم له الترسيم هدية وللرئيس الجديد وبغية الاقتراب منه.
المشكلة تكمن في عملية الترسيم المجتزأة التي يحاول بعض الأطراف في لبنان الحصول على مكاسب واهية في الأيام المتبقية للعهد دون الدخول في عملية ترسيم كاملة تبدأ من الحدود البرية في مزارع شبعا الى البحر في البلوكات المختلف عليها .
لكن السوريين سبق أن أبلغوا لبنان أن الأعمال جارية من الجانب السوري والعقود مع الشركات الروسية قائمة وأن البحث لا يُمكن أن يتم على طريقة "الإحراج". فضلاً عن أن دمشق تتطلع إلى موقف لبناني مختلف حيال العلاقات الرسمية الملتبسة مع سوريا، حيث لا تزال الحكومات اللبنانية تقوم بخطوات لإرضاء الغرب وتستمر بمقاطعة سوريا وتختصر العلاقات بالتنسيق الأمني غير المعلن والعلاقات العامة.
إذا السبب الرئيسي بالتهرب من الموعد جاء نتيجة الموقف الروسي الرافض حاليًا للدخول بهذه المعمعة غير الواضحة لجهة عملية استخراج الغاز اللبناني بمساعدات غربية، وتشكيل منافسة لروسيا من أجل تأمين بدائل، وخصوصا أن الموضوع واضح بعد خروج شركة "نوفاتك" الروسية من صفقة الغاز في الجنوب اللبناني نتيجة الضغط الغربي، مما أزعج موسكو وأمرت سوريا بوقف استقبال الوفد اللبناني، وعدم النقاش بترسيم حدودها البحرية لأن روسيا باتت هي المقرر فيها، كما في السياسة السورية .
الحوار يستهدف معالجة إشكالية التداخل بين البلوك رقم واحد من الجانب السوري (مقابل ساحل محافظة طرطوس) مع البلوكين اللبنانيين واحد أو اثنين على مساحة بحرية تمتد ما بين 750 و 1000 كيلومتر مربع، يجب أن يؤخذ في الاعتبار أن دمشق وقّعت في آذار/مارس من العام 2011 عقداً مع شركة "كابيتال" الروسية للتنقيب عن النفط والغاز وإنتاجها في البلوك رقم واحد.
شركة "كابيتال" الروسية هي التي وقعت الصفقة مع الدولة السورية لمدة سبعة وثلاثين عاما للبحث والتنقيب في المياه السورية، وهي من اخوات شركة غازبروم العملاقة، واتت هذه الصفقة بالإضافة الى صفقات كثيرة حصلت عليها روسيا في الاقتصاد السوري.
فإن وجود القاعدة العسكرية في طرطوس حميميم ساعد الروس بالسيطرة على المياه السورية ومنع أي شركات أخرى من الترسيم أو البحث دون الموافقة الروسية. وبظل الصراع الجيوسياسي في المنطقة باتت روسيا هي الآمر الناهي في سوريا وهي التي ستعمل على رعاية عملية الترسيم لاحقا، والتي لا تهتم لإنجازها حاليا بسبب أولوياتها. لذلك على لبنان أن يدرك أن التفاوض على الحدود، وكذلك على الحقول والأشغال يجب أن يتم بمشاركة ورعاية الجانب الروسي الذي يوفر الحماية لكل الأعمال في تلك المنطقة. فالجانب الروسي المشغول في الحرب في أوكرانيا لم يعط أوامره للقاء للأسباب التالية:
- عدم جهوزية روسيا سياسيا ولوجستيا للترسيم واستخراج الغاز من الحقول السورية لأنها تقع تحت العقوبات الدولية، وتريد بيع غازها المعطل للتوريد في خطوط نورد ستريم 1 ونرد ستريم 2.
- روسيا تحاول مع الجانب التركي بناء شراكة ثنائية لتمرير الغاز إلى أوروبا عن طريق الخط التركي(تركيش ستريم)، وإقامة خزانات على السواحل التركية تؤمن لأصدقائها في اوروبا تدفق الغاز المسيل .
- الدخول في البحث والتنقيب عن غاز البحر المتوسط يضع روسيا أمام عقبات عملية الاستخراج التقنية التي تفتقدها للاستخراج البحري.
- استخراج روسيا للغاز من سوريا، سيخدم التوجهات الاميركية.
- روسيا لا تريد الدخول مع تركيا في أزمة حدود بحرية قد تعيق عملية التنسيق بينهما بالوقت الذي تؤدي تركيا دور الوسيط بينها وبين أوروبا وبينها وبين أوكرانيا.
لكن من المؤكد أن روسيا تريد إنجاز صفقة الترسيم مع لبنان، وأن يكون لها حصة الاسد فيها. كما حصل في الحدود الجنوبية بين لبنان والكيان الاسرائيلي برعاية "أمريكية إيرانية"، لأنها تريد إنجاز صفقة مماثلة بين سورية ولبنان برعاية( روسية ايرانية)، على حساب لبنان.
وعلى الرغم من استياء روسيا من السلوك اللبناني إزاءها، منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا، الا انها لا تظهر معارضة للتعاون، بل على العكس عرضت المساعدة في الحل، فيما على لبنان معرفة أن الروس يعملون في تلك المنطقة وليس أي شركات عالمية أخرى، وأنه من غير المقبول أن يكون هناك فيتو لبناني على العمل مع الشركات الروسية بناء على رغبة أميركية.