كتب بديع يونس في جسور:
لا تزال التظاهرات مستمرة. يتأكد أنها ليست كسابقاتها. حتى النظام يعلم ذلك وإلا لما كان فاخر بقصف العراق، ولا كان الرئيس ابراهيم رئيسي خرج في مقابلة متلفزة مساء 28 أغسطس\ آب للحديث عن الحاصل.
هذه التظاهرات قد لا تؤدي إلى إسقاط النظام في طهران لكنّ المؤكد أنها تضعضعه.
غالباً ما يتساءل الإيرانيون والعالم في كل مرة يتظاهرون إن كانت ستكون التظاهرات تلك هي "المفصليّة". ينجح النظام في كل مرة بالقتل والقمع وإحباط الاحتجاجات فيعود ويحكم بقبضته الحديدية ويُمعِن في ظلم شعبه. لكنّ السؤال الأبرز هو التالي اليوم: هل تختلف الاحتجاجات الحالية في إيران عن الاحتجاجات السابقة؟ وإذا كان كذلك، فلماذا؟
يعود اختلاف هذه التظاهرات لعوامل عدة: انتشارها الواسع على معظم المحافظات، المشاركة العابرة للمذاهب والإثنيات، التوقيت المحوري بالنسبة للنظام والطابع الاجتماعي لها حيث أتت كردة فعل على ما تعرضت له المرأة (مهسا أميني) فيما النساء في إيران هم مكون أساسي في المجتمع.
فاستجابة الإيرانيين للمشاركة في الاحتجاجات كانت سريعة وواسعة النطاق. ويمكن ملاحظة النسبة الكبيرة للنساء فيها. حيث قام العديد منهن بقص شعرهن أو خلع الحجاب الإلزامي، وفي بعض الحالات أشعلن النيران في الحجاب والشعر. طالب المتظاهرون على الفور ومنذ اليوم الأول من التظاهرات بإسقاط النظام وإنهاء "الجمهورية الإسلامية" وهتفوا الموت للديكاتور والموت لخامنئي وغيرها من الشعارات التي "يكره" النظام أن يسمعها. في المقابل، واجهت السلطات هذه الاحتجاجات بقمع شديد أدى إلى سقوط قتلى وهم إلى تزايد يوميا، كما قيّدت قدرة الإيرانيين على استخدام الإنترنت وقررت إقفال الجامعات في محاولة لقطع الطريق على الشابات والشباب الإيراني من اتخاذ هذه الجامعات كمقرات لانطلاق التظاهرات.
صحيح أنّ الاحتجاجات في إيران ليست جديدة، وكذلك رد فعل السلطات عليها، لكنّ هناك اعتقادا اليوم بين المراقبين أن هذه الجولة قد تكون أكثر أهمية من أي من سابقاتها.
استلهمت هذه الاحتجاجات شجاعتها من الاحتجاجات السابقة، لكنها تتجاوز التظاهرات التي سبقتها في جوانب عدة: أولا أن المرأة تقود هذا الحراك، وثانيا أنّ الإيرانيين البارزين في كل محافظات البلاد بدأوا يتحدثون علانية أكانوا ناشطين أو حقوقيين أو فنانين أو رجال أعمال أو شخصيات مؤثرة، ثالثاً وهو أن العديد من الإيرانيين الذين لا يشاركون عادة في الاحتجاجات وقفوا تضامنا مع النساء وطلاب الجامعات، ورابعا وأخيرا هو أن هذه الاحتجاجات تجاوزت الانقسامات العرقية والإثنية والمذهبية.
وفيما كانت قضية مهسا أميني هي الوقود الذي أشعل هذه التظاهرات إلا أنّ الشعارات تجاوزت الحدث وأعادت تسليط الضوء على مطالب الشعب المعيشية والاقتصادية إضافة إلى مفهوم الحريات الغائب في ظل نظام الخميني – خامنئي. فما زاد من غضب الإيرانيين المتراكم لعقود من منع النظام للإصلاحات وتضييق الطيف السياسي وزيادة الحدّ من الحريات واستمرار الفساد والقمع وسوء الإدارة.. كان قدوم الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي في أغسطس\ آب من العام الماضي، وسط إقصاء جميع خصومه الإصلاحيين المحتملين والانخفاض التاريخي في الإقبال على التصويت. ويرى مراقبون أنّ الانتخابات الرئاسية كانت جزءا من تهميش أكثر منهجية للعناصر "المعتدلة" في السياسة الإيرانية.
كما تأتي هذه الاحتجاجات في توقيت مريب ومحوري وهو "مرض" المرشد الأعلى علي خامنئي، رغم ظهوره علنا مرتين. فخطة النظام لخلافته غير واضحة، وكذلك احتمال أن تتمكن إيران والولايات المتحدة من التوصل إلى اتفاق لإحياء الاتفاق النووي، مما سيؤثر بشكل كبير على مسار البلاد وأوضاعها.
وهذا ينقلنا إلى سؤال آخر طالما أنّ هذه التظاهرات مختلفة عن سابقاتها. ففيما سكتت أميركا والغرب عن كل الاحتجاجات السابقة ولم يتخطّ دعمها سوى الدعم المعنوي، هل نرى دعما أميركيا وغربيا لهذه التظاهرات أم سيبقى السكوت العالمي على ممارسات النظام بحق شعبه؟ تساؤل ليس له جواب بعد طالما أنّ الإعلام الغربي ساكت على الحاصل.