كتب إبراهيم ريحان في جسور:
مُحاولةٌ لتطويق رئيس الوزراء العراقيّ السّابق مُصطفى الكاظمي، وحملةٌ تقودها حكومة "الإطار التنسيقي" برئاسة محمّد شيّاع السّوداني المُقرّب من رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي والحرس الثّوريّ، هدفها محاولة قطع الطّريق أمام أيّ عودةٍ مُستقبليّة للكاظمي إلى سدّة رئاسة الوزراء في بلاد الرّافديْن.
هي معركة تصفية "الحسابات" ضدّ عهد الكاظمي الذي بحسب الكثير من المُتابعين أعادَ العراق إلى عمقه العربيّ ودوره التّاريخيّ آخذًا في الحُسبان خصوصيّة العلاقة مع إيران التي تُشاركه 1458 كلم من الحدود بدءاً من شطّ العرب وُصولاً إلى النقطة الحدودية الثلاثية المشتركة مع تركيا الحديثة في "كوه دالنبر".
ماذا يحدث في العراق؟
منذ اللحظات الأولى لاستلام حكومة "الإطار التنسيقي" مقاليد الحُكمِ في بغداد، بدأت حملة واسعة عنوانها "تشويه صورة الكاظمي كرجل دولةٍ"، واختلاقِ صورةٍ مصبوغة بـ"شبهات الفساد".
انقضّت حكومة السّوداني على مئات الموظّفين الذين عيّنهم الكاظمي خلال فترة تصريف الأعمال بحجّة أنّ التعيينات مُخالفةً للدّستور. ضرَبَ "الإطار" عُرضَ الحائط في هذه المسألة، كون قواه السّياسيّة هي التي أطالت عُمُرَ "تصريف الأعمال" عبر عرقلتها المساعي الدّائمة لتشكيل الحكومة في إطار حربها المزدوجة ضدّ التّيّار الصّدريّ بزعامة السّيّد مُقتدى الصّدر ورئيس الوزراء السّابق مصطفى الكاظمي.
مع إطالة فترة تصريف الأعمال، اضطرّت حكومة الكاظمي إلى إجراء تعييناتٍ ضروريّة لضمان استمرار العجلة المؤسّساتيّة في العراق، وهذا ما تُحاول أحزاب "الإطار" استغلاله.
بعد المعركة مع الصّدر، والتي خرجَت من تحت قبّة البرلمان إلى تبادل زخّات الرّصاص والقذائف الصّاروخيّة، انسحَبَ مُقتدى الصّدر من الحياة السّياسيّة بفعل انقلابٍ بغطاء مرجعيّ بدأ من إيران وانتهى في الحنّانة.
انقلَبت الموزاين السّياسيّة، واستطاعَت القوى المدعومة من الحرس الثّوريّ إزاحة الصدريين على وقع الانشغال الأميركيّ بالمعركة مع روسيا على أرضِ أوكرانيا. دخَل محمّد شيّاع السّوداني مقرّ رئاسة الوزراء، وبدأ العمَل على الهدف الثّاني للقوى الإيرانيّة في العراق، مُصطفى الكاظمي.
أصدرَ السّوداني إعفاءات بالجملة شملَت تعيينات أجرتها حكومة الكاظمي، وكذلك فعَل وزير الدّاخليّة عبد الأمير الشّمري الذي اقال عددًا من كِبار الضّباط من بينهم الفريق أحمد أبو رغيف الذي أوكَل إليه الكاظمي رئاسة لجنة خاصّة لمُكافحة الفساد في البلاد الغارقة بمستنقع الفساد منذ سقوط نظام صدّام حسين سنة 2003.
لم تقِف قوى الإطار عند هذا الحدّ، بل ذهبَت بعيدًا بادّعاء شقيق النّائب السّابق لرئيس هيئة الحشد الشّعبي "أبو مهدي المهندس" على الكاظمي زاعمًا أنّ الأخير مُتورّط في مقتل شقيقه الذي اغتيل مع قائد قوّة القدس السّابق قاسم سُليماني مطلع 2020.
على الرّغم من أنّ هذا الإدّعاء لن يجدَ طريقه لا في السّياسة ولا في الواقع، إلّا أنّه مؤشّر واضح أنّ الحرس الثّوريّ يعمل على تطويق الكاظمي وقطع الطّريق السيّاسيّة أمامه.
عزّزَ هذا الحراك "الإطاريّ" اشتعال التّظاهرات في إيران عقب مقتل المواطنة مهسا أميني على أيدي "شرطة الأخلاق". من يعرف السّياسة الإيرانيّة، يُدرِكُ أنّ النّظام يتشدّد في الملفّات الخارجيّة في حال ازداد الضّغط عليه في الدّاخل، وهذا يُفسّر التّوقيت الذي انطلقَ فيه السّوداني بعيدًا في "عمليّة التطويق".
بطبيعة الحال فإنّ الشّارع العراقيّ لن ينخرِط في حسابات "الإطاريين". فالحكومة التي يقودها السّودانيّ تحت عنوان "مكافحة الفساد" هي نسخةٌ عن الحكومات التي شُكِّلَت في فترة ما قبل ثورة تشرين/أكتوبر 2019، من محاصصة القوى السّياسيّة نفسها التي انتفَضَ العراقيّون ضدّها، على هذا الأساس فإنّ أيّ آمال بمحاربة جدّية للفساد من هذه الحكومة لن تجدَ سبيلها. وهذا أيضًا دليل آخر على أنّ الهدف سيّاسيّ وليسَ إصلاحيّ. كذلك تسعى قوى "الإطار التنسيقيّ" لإعادة تدعيم "الدّولة العميقة" التي اختلّ ميزانها أثناء الفترة التي تولّى فيها الكاظمي رئاسة الوزراء.
هي حربٌ ناعمة يشنّها "الإطاريّون" بغطاء عابر للحدود، هدفها إقصاء الكاظمي وإعادة العراق إلى تموضعه في فترة ما قبل 2020. لا تأبه هذه القوى السّياسيّة بالمكانة الإقليميّة التي أوصَل الكاظمي العراق إليها بسرعة قياسيّة، فكلّ الهدف أن لا تتكرّر تجربة "العراق المُنفتح" وأن ينتقِلَ مُجدّدًا من لاعبٍ إلى ملعب...