كتب خالد العزي في جسور:
خسارة جديدة لروسيا في خيرسون ، خروج مذل للجيش الروسي، وهزيمة استراتيجية للسياسيين الرّوس الذين يصرون على استمرارية الحرب، وتحقيق الأهداف بالوسائل التي تدل على عبثيتها المستخدمة بتعطيل حياة المدنيين والبنى التحتية الأوكرانية.
هنا في خيرسون تُشتَم رائحة اتفاق قد يكون حصل بين روسيا والولايات المتحدة على تأمين الخروج الآمن من خيرسون بدون خسائر كبيرة في العتاد والعديد، خاصة وأن الجيش الأوكراني مُنع من استخدام صواريخ هيمارس والصواريخ الأخرى ضد الجيش المنسحب تفاديًا لتأزيم المشهد الميداني.
وتتحدث المعلومات بأن مستشار البيت الأبيض للأمن القومي جاك سوليفان قد وصل إلى كييف بتاريخ 4 نوفمبر/تشرين الثاني، وإعلانه من هناك بأن واشنطن مستمرة بمدّ أوكرانيا بالسلاح النوعي المساعد في تحرير أراضيها المحتلة، ومن ثم جاءت زيارته إلى موسكو بتاريخ 7 نوفمبر/تشرين الثاني، ولقاء سوليفان مع مساعد الرئيس الروس يوري اوشاكوف، حيث تم ترتيب هذه الخطوة القاضية بالانسحاب من خيرسون، وقد حاولت روسيا تقليص خسائرها البشرية، والاستفادة منها في جبهة أخرى، فالإنسحاب تم بطريقة سلمية كاملة، وكأن المشهد يعيدنا الى مرحلة الانسحاب من ضواحي كييف وتعزيز جبهة الدونباس.
من المعروف بأن سوليفان داخل الإدارة الحالية يدفع باتجاه خط اتصال مع روسيا حتى في الوقت الذي يشعر فيه كبار صانعي السياسة الآخرين أن المحادثات في البيئة الدبلوماسية والعسكرية الحالية لن تكون مثمرة.
لقد حدث الانسحاب، بعدما أوعز الجنرال سيرغي سوروفيكين المسؤول عن القوة المقاتلة في اجتماع مباشر مع وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو وقد قدم اقتراحه على الهواء مباشرة بترك مدينة"خيرسون" والانسحاب نحو الضفة الشرقية للمدينة من أجل الحفاظ على أرواح العسكريين والجنود الروس، لأنهم أغلى بكثير من البقاء والحفاظ على المدينة التي باتت ساقطة عسكريًا ويصعب البقاء فيها وحمايتها.
انتشر مشهد فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي كافة، والذي قبل فيه وزير الدفاع الروسي اقتراح الجنرال المسؤول باعتباره قرارًا جديرًا بالمسؤولية، بالرغم من قول الأهالي بأنَ الجنرال قد أرسل إلى الجبهة الآلالف من جنود الاحتياط وقد قضى العديد منهم نحبه في جبهات القتال الأوكرانية.
لكن وبحسب الأقمار الاصطناعية الغربية التي تُحلل صُور الجيش المنسحب من خيرسون فإن الآليات تُركت وراءهم والمستودعات والمعدّات، وبالطبع كما حصل في شرق خاركوف، أما بحسب الجنود والضباط الذين يقولون بأن الأوامر أتت بأنه على الجنود تدبير أنفسهم كما شوهد في الصور المنقولة لكثير من الجنود أثناء عبور جسر أنطونوف الذي يربط الضفّة اليسرى واليمنى على نهر الدنيبر بعدما تم تفجيره منعًا من استخدام القوات الأوكرانية المهاجمة له حيث بات العبور للجنود االألوف لمؤلفة سيرًا على الأقدام لتخطّي المنطقة المخلاة، هذا الإنسحاب السريع للأعداد الكثيرة أدى لضياع الكثيرين، واعتقال الألوف من الجنود الذين فروا نحو الغابات والسهول لأجل تأمين العبور والمغادرة.
لكن المحلّل العسكري الأوكرانيّ رومان ستفتان يرى "بأن الجيش الرّوسي قد سحب كل السلاح الثقيل والدبابات قبل شهر تفاديًا لأي ملحمة قد تحدث بالمدينة لأن الروس لا يستطيعون تكرار تجربة خسارة جديدة، وتكرار مشهد مدينة ماريوبول الأوكرانيّة، معهم في خيرسون.
وهنا المفارقة بين الدفاع الأوكراني في ماريوبول الذي جسده المقاتلون الأوكران، لملحمة قتالية عجز الجيش الروسي عن دخولها والاستيلاء عليها، إلا بعد اتفاق الاستسلام مع الأمم المتحدة، والتسليم مقابل ضمان حياة مقاتليهم ،وما بين الهروب من ليمان وخيرسون الذي سُّجّل على الجيش الروسي، التي فقد فيها المحاربون الروس معنوياتهم القتالية بهذه الحرب الخاسرة.
بالرغم من أن النخب الدعائية والسياسية الروسية لاتزال تتكلم عن الانتصارات التي تتجسد هزائم ونكسات للجيش الروسي، وانهيار المعنويات الفردية الروسية مكللة بمزيد من العقوبات الاقتصادية والمالية والعزلة الدبلوماسية والشعبية، والدعم الغربي المطلق(المالي، اللوجستي، الحربي، الدبلوماسي)، للدولة الأوكرانية التي ترفع الروح القومية المقاتلة بوجه الاحتلال.
هنا نرى المقارنة بين الأهالي الروس والأمهات الذين يطالبون بالكشف عن مصير أبنائهم الذين أُرسلوا للجبهة وقتلوا، وما بين الأهالي الأوكران الذين يعيشون حصارًا في المدن التي يتم تحريرها من قبل القوات الاوكرانية.
لنرى مثلًا كيف استقبل أهالي خيرسون المحررة الجيش بالورود، والزغاريد والتقبيل وتقديم الماء والمأكل للمحررين، بالرغم من أنهم كانوا يفتقدونها، وتم ذلك بعدما وصل الجيش إلى القرى والنواحي التي تم تركها من قبل القوات الروسية.
هذه صورة الشعب الأوكراني المقاوم التي تدل على أن الشعب يلتف حول قيادته وشعبه حيث باتت القضية المشتركة لهم جميعًا مقاتلة قوات الاحتلال وإجباره على التراجع وتسجيل هزيمة نكراء ضده، بعدما كانت روسيا تريد في بداية معركتها خروج الناس اعتراضًا على النظام الفاشي، وإجباره على الرّحيل بعد التوافق مع الجيش الأوكراني لناحية التمرّد على قادته السياسيين، والقول للعالم بأن غزوة أوكرانيا مطلب شعبي من خلال رفع العلم الروسي في الجنوب والشرق والوسط .