كتب ناجي يونس في جسور:
من المتوقّع أن يزرع كل من عيد الميلاد ورأس السنة الأمل مجددًا في نفوس اللبنانيين أطفالا وشبابا وشيبا، حتى وإن كان لبنان لايزال يلملم جراحه غداة وقوعه في قعر جهنم. كيف ذلك؟وهل يعقل الافراط الزائد في التفاؤل بما يتناقض كليا مع الواقع؟
سوداوية هي الصورة التي تطفو داخل لبنان وخارجه. فالدولار يطير والتضخّم سيرتفعان بشكل كبير بعد زيادة الرواتب وتطبيق الدولار الجمركي على سعر 15 الف ليرة بدءا من مطلع سبتمبر/كانون الاول المقبل. الجوع غزا بيوت اللبنانيين والفقر المدقع ينتشر بسرعة مخيفة.
البطالة ترتفع باضطراد والهجرة نزيف يدمي. الدولة غائبة كليًا والخدمات شبه منقطعة في كل القطاعات، والفواتير موجعة والتعثّر سيد الموقف في عملية سدادها.
التعطيل عنوان أداء المسؤولين على مختلف المستويات بدءا من استحقاق رئاسة الجمهورية وصولا إلى إطلاق مسار المحاسبة وتطبيق الاصلاحات الحيوية. تطول اللائحة من هذا القبيل ويصطدم الأمل بواقع مرير وأفق مقفل واصرار المسؤولين على الإجهاز التام والممنهج على ما تبقى.
مع ذلك وعلى الرغم من ضآلة الامكانات المتوافرة، سيثبت اللبنانيون مرة جديدة تشبثهم بأرضهم وحرصهم على تحدي الصعوبات وفتح كوة الامل في جدار اليأس ليصح معهم مجازًا القول إن العين تستطيع ان تقاوم المخرز.
فالصيف الماضي كان خير مثال على ذلك حيث أقبل اللبنانيون من دنيا الانتشار ومن كل أقطاب الارض فكانوا السند لأهلهم في بلاد الأرز واسهموا بقوة في تنفس الاقتصاد الوطني الصعداء بدءا من القطاعات السياحية كلها... باختصار قدموا الاكسيجين المطلوب لئلا يسقط الهيكل على اهله.
وفي هذا الاطار يقول نائب رئيس نقابة أصحاب المطاعم والمقاهي والملاهي والباتيسيري خالد نزها إن الكثير من المؤسسات السياحية والتجارية والاقتصادية ضمنت استمرارها وان سواها اعاد فتح ابوابه الى جانب مؤسسات أخرى فتحت أبوابها للمرة الاولى في الأسابيع الأخيرة. كل ذلك بفعل ما تركته الحركة السياحية والاقتصادية في الصيف الماضي حيث يقدر ان العجلة الاقتصادية دارت دورتها بشكل مقبول جدا وان مداخيلها زادت على 4 مليارات دولار.
وقبيل عطلة الميلاد ورأس السنة يبرز أمل جديد وان اقل حجمًا واتساعا من الصيف بالتالي يطرح التحدي بما اذا كان اللبنانيون سينتصرون على طريقتهم على الصعوبات لاطفاء اجواء العيد وتحريك العجلة الاقتصادية وان بوتيرة اخف.
تبدو المؤشرات واعدة وإن نسبيا فالحجوزات كبيرة والاقبال الاغترابي شديد من الدول العربية والاوروبية وافريقيا والاستعدادات المحلية على قدم وساق.
وزير السياحة وليد نصار على رأس قائمة المتفائلين وهو توقع في تصريح اعلامي له وفود حوالى 700 الف شخص الى لبنان بين مطلع سبتمبر/كانون الاول 2022 و10 يناير/كانون الثاني 2023 وسيكون 75% منهم مغتربين والباقون عرب (خصوصًا من مصر والعراق والاردن) واجانب.
وذهب نصار بتفاؤله الى تحقق دورة اقتصادية قد تلامس مليارا ونصف المليار دولار في خلال اسابيع قليلة.
نقيب اصحاب الفنادق بيار الاشقر بدا أقل تفاؤلا خصوصًا وان الوافدين لن يبيتوا اساسًا في الفنادق والشقق المفروشة بما ان حفلات الميلاد تقام في المنازل والمطاعم بدرجة اولى، وبغياب المؤشرات الملموسة عن الاستعداد لاحياء الحفلات الكبرى ليلة رأس السنة.
اشارة الى ان الحجوزات في الفنادق لن تتخطى 55% ولفترة تتراوح بين يوم و3 ايام. كما ان الفنادق الكبرى في بيروت لم تفتح ابوابها بعد باستثناء فينيسيا الذي غرد خارج السرب واستأنف نشاطه.
وفي السنوات الاخيرة اقيمت حفلات رأس السنة في الدول العربية خصوصًا في مصر والاردن والامارات والسعودية وقطر والكويت وقد احياها الفنانون اللبنانيون.
الا ان المفاجآت التي سجلها قطاع المطاعم في الفترة الاخيرة في عدد من المناطق منها البترون ومونو وبدارو والجميزة ومار مخايل وساحل المتن وضبيه تحديدا، مؤشر يشجع على توقع احياء حفلات مهمة ليلة رأس السنة وان بما يتناسب مع الأوضاع القائمة والظروف السائدة.
ويشير نزها الى أن المطاعم تسجل ارتفاعًا ملحوظًا في تصدير العلامات وانتشارا سريعا بين مختلف القارات، وهو ما يتطابق مع ما يحرزه قطاع الصناعات الغذائية من تطور لافت في صادراته التي مشت عكس السير في السنوات الاخيرة فارتفع تصديرها من 600 مليون دولار عام 2019 الى حوالى مليار دولار نهاية العام الجاري وفقا للتوقعات.
سيكون الاعتماد على المغتربين والسياح العرب خصوصًا من مصر والعراق والأردن اما المقيمون فان اكثريتهم الساحقة عاجزة عن الاشتراك في الحركة السياحية في عطلتي الميلاد ورأس السنة بشكل ملموس وفعال.
ومن المتوقع أن يتركز الاقبال على المؤسسات التجارية والمطاعم والمقاهي والملاهي والباتيسيري وسيارات الايجار وان تكون وتيرته اقل على الفنادق والشقق المفروشة وان تكون للعاصمة بيروت والشريط الساحلي والمناطق المتوسّطة الارتفاع الحصة الاساسية من الحركة السياحية والتجارية في الفترة المقبلة.
ويؤكد نزها ل"جسور" انه لا يزال باكرا توقع ما اذا كانت حفلات رأس السنة ستنطلق بقوة او لا، مشيرًا الى ان المؤسسات ستعمل بكل طاقاتها لضمان نجاح الحركة وان بالكلفة التي ارتفعت كثيرا والتي تعتبر الاعلى في العالم العربي والشرق الاوسط.
اشارة الى ان تكاليف المازوت والغاز والمياه "تقصف ظهر المؤسسات" اذا جاز التعبير والى الآن، لا احد يعلم كيف سيكون عليه ارتفاع الاسعار في سبتمبر/كانون الاول المقبل.
اشارة ايضا الى ان الاسعار ستكون بالدولار اوما يوازي سعر صرفه عمليا بالليرة اللبنانية.
الإنارة ستكون غائبة كليا عن المشهد اللبناني في عطلتي الميلاد ورأس السنة على غرار سائر ايام السنة ولعل وسط بيروت خير دليل على ذلك بحيث ينقسم إلى قسم مضيء وآخر منطفئ.
الا ان المبادرات من كل حدب وصوب ستؤمن الحياة وستعمل جاهدة على زرع الامل بدءا من انارة الشوارع ومغارات الميلاد هنا وهناك وستكون مدينة جبيل مثالا يحتذى جريا على العادة. وستكثر المبادرات لاقامة الحفلات وتوزيع الهدايا واللقاءات في المدن والقرى.
وينقل ان احدى بلديات ساحل المتن قررت صرف ما كانت تصرفه على الانارة في الميلاد (حوالى 30 الف دولار) مساعدات على العائلات المحتاجة.
نزها متفائل بطبعه ومن اوجه تفاؤله تعزيز الاستقرار والهدوء وتساقط الثلوج ليفتح موسم التزلج باكرا قبل الميلاد ورأس السنة مما سينشط الحركة في اعالي الجبال وسيجذب المغتربين والعرب طيلة فترة غير قصيرة في فصل الشتاء.