في الرابع من شهر تموز (يوليو) تأتي الذكرى السنوية الثانية عشرة لرحيل المرجع الديني الكبير أية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله والتي سيتم إحياؤها في إحتفال خاص في مسجد الحسنين في ضاحية بيروت الجنوبية يوم الأثنين الساعة الخامسة والنصف حيث سيلقي نجله العلامة السيد علي فضل الله كلمة بالمناسبة يطلق فيها سلسلة مواقف هامة حول الأوضاع في لبنان والعالم العربي.
تأتي هذه الذكرى السنوية الهامة في ظل الأزمات التي يواجهها لبنان والعالم العربي والاسلامي وصولا للتطورات الدولية الخطيرة بسبب الحرب الروسية في أوكرانيا ، والمخاوف من تمدد الحروب الى شرق اسيا بين الصين من جهة والولايات المتحدة الاميركية وحلفائها من جهة أخرى ، مما قد يدفع العالم الى حرب عالمية ثالثة ، في حين ان العالم يواجه أزمات الغذاء والفقر والجوع والغلاء ونقص الطاقة والغاز والنزوح والهجرات.
من هنا أهمية إستعادة تجربة المرجع السيد محمد حسين فضل الله اليوم وهو أحد أركان الحوار في لبنان والعالم ، فقد كانت نظريته الدائمة التي يطلقها : الحقيقة بنت الحوار ، وكان يعتمد منطق الحوار في كل تجاربه السياسية والفكرية والدينية ، وخصوصا مع الذين يخالفونه في الرأي ، وقد أسس لرؤيته حول الحوار من خلال العديد من الكتب التي ألفّها ومنها : الحوار في القرآن ، الحوار الإسلامي- المسيحي، وغيرها عشرات الكتب والدراسات والأبحاث التي تدعو للحوار حول كل الأفكار والطروحات السياسية والدينية.
ولم يكتف السيد فضل الله في الدعوة الى الحوار نظريا او على الصعيد الفكري والديني والسياسي ، بل هو أنطلق في ذلك عبر تجاربه الحياتية وفي علاقاته اليومية سواء مع الناس العاديين ، او مع الإعلاميين والسياسيين وأصحاب الأفكار المختلفة او عبر الدروس واللقاءات الخاصة ، وكان يؤكد دوما في لقاءاته : أنه ليس هناك سؤال ممنوع ، بل من حق كل إنسان أن يطرح ما يريد من أفكار وتساؤلات وإشكالات سواء على الصعيد الديني او الفقهي او السياسي ، وحتى على صعيد الأمور الشخصية ، وكان يخصص يوميا واسبوعيا جلسات خاصة للإستماع الى الأسئلة والملاحظات والانتقادات التي توجه له والرد عليها .
والحاجة اليوم الى الحوار لم تعد مسألة شكلية او نظرية ، بل هي ضرورة من ضرورات الحياة ولمعالجة المشكلات الوطنية والقومية والدولية ، ومن هنا أهمية الإستفادة من إحياء الذكرى السنوية لرحيل المرجع الديني الكبير السيد محمد حسين فضل الله من أجل إطلاق مبادرات حوارية سواء على مستوى لبنان او في كل قطر عربي يواجه الأزمات ، وصولا للحوار العربي – الايراني لمعالجة الخلافات السياسية والتاريخية، او الحوار الاسلامي – المسيحي لتحقيق اوسع تضامن ديني لمواجهة مختلف أزمات العالم من خلال وثيقة الاخوة الانسانية التي أطلقها البابا فرانسيس مع شيخ الازهر الامام الاكبر الدكتور أحمد الطيب ، وصولا للحوار عبر المؤسسات الدولية من أمم متحدة ومجلس أمن لمعالجة مختلف الازمات والصراعات التي يعاني منها العالم اليوم .
واذا كنا غير قادرين على التأثير في القضايا الدولية والاقليمية فعلى الأقل نشجّع الحوار الوطني في لبنان لمعالجة مختلف الازمات التي يعاني منها البلد وصولا الى ترتيب تسوية شاملة تؤدي او تلي انتخاب رئيس جديد للجمهورية ، كذلك دعم الحوار السعودي – الايراني والذي رعاه العراق ممثلا برئيس مجلس الوزراء مصطفى الكاظمي وحيث ستعقد جلسات اخرى بعد ان حقق نتائج مهمة في الجلسات السابقة وساهم في عودة العلاقات بين البلدين والهدنة في اليمن.
نحن اليوم بحاجة لاعادة تسليط الضوء على قيمة الحوار واهميته ، والحوار ليس من أجل الحوار فحسب ، بل من اجل الوصول الى معرفة الحقيقة لانه لا احد يمتلك الحقيقة كاملة ، ومن اجل معالجة المشاكل الوطنية والقومية والعالمية ، ومن اجل ان نتعلم كيف نعيش سوية في هذا الكون الذي يتسع لكل العالم.
في الذكرى السنوية لرحيل المرجع السيد محمد حسين فضل الله ، وهو رجل الحوار يإمتياز ، تتجدد الدعوة كي يكون الحوار خيارنا الحقيقي بديلا عن الصراعات والحروب والنزاعات .
رحم الله السيد محمد حسين فضل الله ، ووفّق الله السائرين على نهجه لمتابعة هذه المسيرة الحوارية والتجديدية في الدين والفكر والسياسة والاجتماع.