شكّلت الجلسة الانتخابية الرئاسية الاولى، التي عقدها مجلس النواب اللبناني يوم الخميس الماضي، مؤشرًا مهمًا للتكتيكات الانتخابية التي اعتمدتها القوى السياسية والحزبية والنيابية في هذه المرحلة، والتي أدت الى عدم انتخاب رئيس جديد، وكشفت توازنات وتوزع الكتل النيابية وقدراتها المختلفة وفتحت الباب أمام نقاشات وحوارات جدية للوصول الى مرشح رئاسي قادر على جمع الأصوات المطلوبة وموافقة الداخل والخارج.
فكيف تقرأ نتائج الجلسة الرئاسية الأولى والتكتيكات التي اتبعت؟ وماذا عن التكتيكات والاستراتيجيات الانتخابية المستقبلية التي ستعتمد؟
بداية كيف يمكن تقييم نتائج الجلسة الاولى ؟
القوى السيادية والمعارضة والمستقلون انقسموا على ثلاث مجموعات اساسية، الاولى اختارت اسم ميشال معوض وضمت القوات اللبنانية والحزب التقدمي الاشتراكي وحزب الكتائب وكتلة التجدد وبالنتيجة تبين عدم قدرة هذه الكتلة على الحصول على 65 صوتا، وبالتالي سيسقط اسم معوض من اي خيار مستقبلي في ظل رفض الكتلة التغييرية والنواب السنة والمستقلين له، وهذا سيحرر الجميع من تبني اسم معوض مستقبلاً، كما حصل عام 2016 بالنسبة لتبني ترشيح قوى 14 اذار وتيار المستقبل لخياري الدكتور سمير جعجع والنائب والوزير السابق بطرس حرب، ومن ثم تبني ترشيح سليمان فرنجية والعماد ميشال عون ووصول عون للرئاسة.
كتلة النواب التغييريين تبنت ترشيح رجل الأعمال سليم ميشال اده دون تقديم الأسباب المبررة لذلك ودون ان يطرح اده مشروعه السياسي والاقتصادي، وبذلك افترقت كتلة التغيير عن بقية القوى المعارضة ومن غير الواضح اذا كانت ستظل متبنية لهذا الترشيح ام ستكون مستعدة للتفاوض حول اسماء جديدة.
النواب السنة والنواب المستقلّون تبنّى معظمهم التصويت لشعار "لبنان" أو ورقة بيضاء وهم أعلنوا بذلك استقلاليتهم عن الجميع واستعدادهم للتفاوض حول أي مرشّح توافقي.
واما من تبنى التصويت للإيرانية مهسا اميني فهو من خارج السياق السياسي الداخلي ومجرد تسجيل صوت اعتراضي .
بقية الكتل والنواب الذي صوتوا للورقة البيضاء (حزب الله، كتلة التنمية والتحرير، تيار المردة، التيار الوطني الحر، الجماعة الاسلامية، نواب مستقلون وغير منتمين لاحزاب) فهم شكلوا قوة ناخبة مهمة (63 صوتًا) ولم يطرحوا اي اسم لحرقه واحتفظوا بحق التفاوض المستقبلي، وهذا التصويت اكد امكانية هذه القوى على التفاهم فيما بينها والابتعاد من خلافاتها المبدئية وقدرتها على المناورة المستقبلية حول كل الاسماء.
وفي خلاصة تقييم الجلسة الاولى ما قاله الرئيس نبيه بري: ان نتائج هذه الجلسة تؤكد الحاجة الى التوافق بين الجميع وان الكل قادر على التعطيل او عدم وصول مرشح التحدي الى الرئاسة الاولى، وبذلك يفتح الباب مجددًا امام كل الشخصيات التوافقية او القادرة على نيل اكبر عدد ممكن من الاصوات واكبر حجم من التأييد الداخلي والخارجي، وهناك اسماء عديدة يمكن ان تطرح في هذا المجال .
لكن ماذا عن التكتيكات والاستراتجيات التي يمكن ان تعتمدها القوى السياسية والحزبية والكتل النيابية والقوى المؤثرة في المرحلة المقبلة للوصول الى قرار حاسم لانتخاب رئيس جديد؟
من المفترض أن تقوم كل هذه القوى والكتل بتقييم نتائج الجلسة الأولى وتحديد نقاط القوة والضعف في ادائها وخياراتها، وسيفتح الباب واسعًا امام الحوار والنقاشات بين الجميع للبحث عن الشخصية القادرة على حمل مشروع انقاذ لبنان ومواجهة التحديات المختلفة داخليًا وخارجيًا.
وعلى ضوء ذلك فإن كل كتلة أو تحالف أصبح معنيًا بوضع الخيارات التي يمكن أن يتبناها وتكون قادرة على تأمين الأصوات المطلوبة وتستطيع نيل موافقة القوى الاخرى كي لا تسقط في فخ تعطيل النصاب او عدم الحصول على الاصوات المطلوبة، ومن الواضح ان كتلة قوى التغيير وكتلة الحزب التقدمي الاشتراكي والنواب السنة والمستقلون هم اكثر الكتل القادرة على التواصل والحوار مع الجميع وطرح اسماء توافقية، بالمقابل فإن طرح مرشّحين تحت عنوان التحدي أو تبني مشروع سياسي أحادي فإن ذلك سيؤدي لتعطيل انتخاب الرئيس وبقاء لبنان بدون رئيس للجمهورية، وبذلك تتولى حكومة تصريف الاعمال مهام ادارة البلاد خصوصًا في حال تم ترميمها ونيلها الثقة مجددًا أم ستدخل البلاد في فراغ سياسي ودستوري وفوضى أمنية واجتماعية ومعيشيّة .
فهل هناك من يقود الحوار للوصول إلى تسوية رئاسيّة واختيار رئيس قادر على انقاذ البلاد؟ أم سندخل في الفوضى والفراغ؟