كتب إبراهيم ريحان في جسور:
لم تكُن مُصافحة الرّئيسيْن المصريّ عبد الفتّاح السّيسي والتّركي رجب طيّب أردوغان يومَ افتتاح بطولة كأس العالم في الدّوحة إلّا إشارة الانطلاق لعودة المُحادثات بين البلديْن بعد توقّفها في الأشهر الأخيرة.
لعِبَ أمير دولة قطر الشّيخ تميم بن حمد الدّور الأكبر في المُصافحة التي أعادَت المُحادثات بين البلديْن إلى مجاريها.
هكذا اتُّخِذَ القرار بدوزنة العلاقة الشّائكة التي تحكم "العملاقيْن اللدوديْن". كثيرةٌ هي الملفّات الشّائكة والعالقة بين البلديْن، من مصر نفسها وجماعة "الإخوان"، إلى سوريا مرورًا بليبيا مياه البحر الأبيض المُتوسّط.
تقفُ القاهرة وأنقرة على جانبيْ نقيضٍ في كلّ الملفّات. لكنّ الكلام اليوم هو تنظيم الخِلاف، ولكلٍّ أسبابه.
يمرّ كِلا البلديْن بأزمة نقديّة حادّة، إذ إنّ عُملتيْ مصر وتركيا (الجنيه والليرة) يهويان إلى أدنى مستوى أمام الدّولار الأميركيّ. تُدرِكُ السّلطات في كِلا البلديْن ماذا يعني ذلك في الدّاخل، وما قد يؤدّي إليه من اضطراباتٍ شعبيّة، لا تنقصها تدخّلاتٍ خارجيّة تزيدُها اضطرابًا.
يُضاف إلى ذلك التوتّر الإقليميّ وغاز المُتوسّط، الذي كان السّبب الرّئيس في تدخّل تركيا في سوريا وليبيا وترسيم الحدود الشّهير الذي زادَ الأزمة مع مصر. يُضاف إلى ذلك تحالف القاهرة مع غريمتيْ تركيا التّاريخيّتيْن، اليونان وقبرص، في معركة النّفوذ على غاز البحر الأبيض.
بالطّبعِ لا يُمكُن إغفال العلاقة التي جمَعت تركيا مع جماعة "الإخوان" في العالم العربيّ، وخصوصًا في مصر بُعيْدَ أحداث "الرّبيع العربيّ". إذ كانت تُركيا الرّاعي الإقليميّ لحكم الإخوان في القاهرة وطرابلس الغرب وتونُس، هذا عدا عن دعم أنقرة للمُعارضة السّوريّة والمغربيّة وغيرها مثل القواعد العسكريّة التّركيّة في ليبيا ومحاولة تركيا نشر قواعد عسكريّة في السّودان والصّومال اللذيْن يُعتبران العمق الاستراتيجي لمصر.
اليوم اختلَفَت الأوضاع، وباتَ الجميع يبحث عن ضمان مصالحه الاستراتيجيّة، وهذا كانَ محوَر اللقاء الذي جمَع مسؤولين أمنيين أتراك ومصريين بُعيْدَ مصافحة السّيسي – أردوغان في العاصمة القطريّة، بحسب ما عَلمَ "جسور" من أكثر من مصدرٍ إقليميّ مُطّلع.
ماذا بحثَ الجانبان؟
في التّفاصيل التي تُكشَف لأوّل مرّة، فإنّ الوفديْن الأمنييْن المصريّ والتّركيّ، اللذيْن رافقا الرّئيسيْن إلى كأس العالم، بحثا الآتي:
أوّلاً: اتفقَ الوفدان على إعادة إحياء المُحادثات الثّنائيّة والتي كانت غالبًا ما تجمَع رئيسيْ الاستخبارات المصريّ عبّاس كامل، والتّركيّ حقّان فيدان. قد تكون العاصمة القطريّة الدّوحة مسرح المُحادثات المُنتظرة التي تهدُف إلى إعادة العلاقات بين أنقرة والقاهرة والتي انقطَعت بعد الإطاحة بحكم الإخوان في ثورة 30 حزيران/يونيو 2013.
في الآونة الأخيرة، قامت تركيا بما يشبه رفع الغطاء عن كثيرٍ من المطلوبين "الإخوانيين" المُقيمين على أراضيها. بحسب معلومات "جسور" فإنّ السّلطات التركيّة أبلغت القياديين الإخوانيين في تركيا ضرورة الالتزام بعدم التّعرّض للحكومة المصريّة تحت طائلة اتخاذ إجراءات قانونيّة قد تصل إلى تسليم المُخالفين للسّلطات في القاهرة.
ثانيًا: اتفقَ الجانبان على البدء بمُحادثات تقنيّة تجمع اختصاصيين بشؤون الطّاقة من البلديْن في العاصمة القطريّة. تهدف هذه المحادثات إلى محاولة إيجاد حلول للنّقاط العالقة في البحر الأبيض المتوسّط، ونزع أيّ فتيل مُتفجّر في المياه التي تضمّ مخزونًا هائلاً من الغاز الطّبيعيّ، الذي يحتاج إليه كلا الجانبين كداعمٍ اقتصاديّ يُساهِم في تخفيف الاحتقان في مصر وتركيا.
ثالثًا: يُحاول الأتراك والقطريّون بدءَ مُحادثات مُباشرة بين تنظيم الإخوان المصريّ والحكومة المصريّة تهدف إلى تخفيض التّوتّر الدّاخليّ في مصر. تشير المعلومات إلى أنّ الحلّ قد يكون ابتعاد قياديي الإخوان عن تناول الشأن العام والابتعاد من الخطاب الدّينيّ المُتقدّم.
لكنّ هذه المُحادثات، إن حصَلَت لن تكون سهلةً إطلاقًا، خصوصًا مع تصلّب الحكومة المصريّة في موقفها من جماعة الإخوان التي باتت مُنقسمة على نفسها في الدّاخل المصريّ أساسًا.