يُعتبر إقليم شرق إفريقيا منطقة إستراتيجية مهمة، كونها مطلة على خليج عدن وباب المندب. فموقعها يقابل آبار النفط في شبه الجزيرة العربية والخليج العربي ويلاصق إقليم البحيرات العظمى في وسط إفريقيا، الذي يتميز بغنى موارده المائية والنفطية والمعدنية. يكفي كل هذا لتكون أريتريا مهمة بالنسبة إلى إيران ضمن إستراتيجيتها الخارجية، كما لرغبة طهران الشديدة في إيجاد بوابات بحرية وبرية تسهّل الوصول إلى مناطق الأزمات في الشرق الأوسط.
تعود فترة الاهتمام الإيراني بأفريقيا إلى عقود مضت. لكنّ قيام ثورة الخميني في 1979 وما تلاها من الحرب الإيرانية – العراقية شغل إيران لحين وصول محمد خاتمي إلى الرئاسة في 1997 الذي أعاد التركيز على علاقات إيران بالقارة الأفريقية على كل المستويات وصولا لحقبة محمود أحمدي نجاد في 2005 وما تلاها من تحسين العلاقات مع أريتريا تحديدا. بذل أحمدي نجاد جهودا كبيرة لترسيخ الوجود الإيراني في أفريقيا عموماً وأريتريا خصوصا.
فالعلاقات قديمة جدا وتعود لعام 1977 حين كان الخميني منفيا في العراق. كان محمد عمر يحيى ممثل "جبهة التحرير الإريتري" موجود في العراق أيضاً وكان مهندس هذه العلاقة حينها. ولدى وصول الخميني إلى السلطة سمح لأريتريا بالتمثيل الدبلوماسي في إيران. لكنّ تقارير كُشف عنها في حينها دمّرت هذه العلاقة حيث أشارت لوجود قوات أريترية تقاتل مع العراقيين في حربهم ضد إيران. تطور الأمر لإغلاق مكتب "جبهة التحرير الأريترية" وانعدمت العلاقات منذ 1984. بعد استقلال أريتريا في 1993 اتهمت الأخيرة إيران بتصدير الثورة إليها ووصلت العلاقات إلى أدنى مستوياتها في عام 1996 مع اعتقال أريتريا دبلوماسيين إيرانيين. ظلت العلاقات متوترة حتى عام 2006 عندما أرسلت أريتريا مبعوثا لإيران لتأسيس علاقات دبلوماسية معها بسبب تدهور العلاقات الأريترية – الغربية لوقوف الغرب إلى جانب أثيوبيا على حساب أريتريا. في 2007 أرسلت إيران سفيرها رضا العامري إلى أريتريا. بدأ التفاعل السياسي بزيارات متبادلة لمسؤولي الدولتين وصولا حتى زيارة الرئيس الأريتري "أسياس أفورقي" لطهران في مايو 2008. وبحسب أحمدي نجاد يومها: "الدولتان بلورتا خطة لمواجهة ومقاومة الهيمنة الغربية". أما الرئيس الأريتري فأعرب "عن إعجابه بالثوة الإسلامية في إيران التي هي نقطة تحول في تاريخ الأمم الراغبة بالحرية" وفق تعابيره.
تطورت العلاقات السياسية والاقتصادية للوصول إلى علاقات عسكرية مميزة (هدف إيران الأساسي). فقد اعتمدت إيران سياسة تقديم المساعدات الاقتصادية لإدراكها ضعف الاقتصاد الأريتري وكل ذلك للحصول على الامتيازات العسكرية عبر روابط سياسية. فالاستراتيجية السياسية التي دُعِّمت بمساعدات اقتصادية أوصلت طهران لهدفها العسكري في أريتريا.
ففي عام 2008، أعلن الرئيس الأريتري ترحيبه بأن تقوم إيران بإقامة قواعـد لها في القـرن الأفريقي. تلا ذلك اتفاقية للتعاون النفطي بين البلدين. وقد تحدث تقرير سـابق لستراتفورد عن وجود عسـكري إيراني على السـاحل الأريتري وفي أرخبيل دهلك الاسـتراتيجي. وبموجب اتفاقية وامتيازات أريترية أنشأت إيران قاعدة في ميناء عصب وهذا ما أشرت إليه تقارير أميركية بأنّ "إيران وأريتريا توصلتا لاتفاقية أمنية تتضمن عسكرة نقاط التفتيش في مضيق باب المندب". يشير ذلك إلى أنّ إيران من الدول القليلة التي لديها تسهيلات عسكرية وبحرية واستخباراتية في ميناء عصب ومصوع. وبحسب "معاريف" الإسرائيلية وأحد تقاريرها في أبريل 2009، "قامت إيران بنشر عشرات بطاريات الصواريخ المتوسطة والبعيدة المدى وصواريخ مضادة للطائرة والسفن في ميناء عصب".
كمـا ذكرت إحدى برقيات "ويكيليكس" بتاريخ ١٢ فبراير ٢٠١٠ أن السفير السعودي لدى إريتريا "قلق من تنامي النفوذ الإيراني، وأن إيران زودت البحرية الأريترية بالأسـلحة". وبحسب البرقية يضيف السفير السعودي "أنّ المتمردين الحوثيين كانوا موجودين في إريتريا عام ٢٠٠٩". وثائق أخرى تكشف تحالفا "إيرانيا – إريتريا – حوثيا" وأنّ الحوثيين استقروا وتدربوا في قواعد إيرانية في أريتريا قبيل الانقلاب بسنوات فيما تعتبر أريتريا اليوم بوابة رئيسية لتسليح الحوثي.
ومع انطلاق العمليات العسـكرية لتحالـف دعم الشرعية في اليمن اسـتخدمت إيـران السـاحل الإريتري في دعم حلفائها الحوثيين ومدهم بالسلاح وتدريبهم في 3 معسكرات تقع على الأراضي الإرتيرية بإشـراف وخبـرات وتمويـل إيراني.
1- أحـد هذه المعسـكرات يقع بالقـرب من ميناء "عصب" قبالة معسـكر كبير للجيش الإريتري يسـمى "ويعا". وتمكنـت إيران من بنـاء قاعدة بحريـة عسـكرية بالقـرب مـن مينـاء عصـب ونقـل الحـرس الثـوري صواريـخ وعناصر مـن قوة القدس إلى هذا المعسكر لتسهيل دعم الحوثيين.
2- المعسكر الثاني في منطقة "ساوى" وهو أحدث المعسكرات التي أقامها الحرس الثوري الإيراني لتدريب الحوثيين، وهو قريب من الحدود السودانية.
3- المعسكر الثالث يقع في إحدى الجـزر الثلاث التـي اسـتأجرتها إيـران - ومنهـا جزيـرة "دهلـك"، وهـي تابعـة لإريتريا- لتزويـد الحوثيين بالسلاح والدبابات عبر ميناء ميدي. وقد اتخذت إيران هذه الجزر الإريترية نقاط ارتكاز لتدريب القوات العسكرية والزج بها في الصراعات من أجل تعزيز نفوذها.
وبالعودة إلى مارس ٢٠١٥ اتهم الملحق العسـكري اليمني فـي القاهرة إريتريا بدعـم الحوثيين، إذ شدد على أن إريتريا تحولت إلى حديقة خلفية للإيرانيين وحلفائهم.
الاهتمام الإيراني بأفريقيا مستمر
يبدو ظاهرا وواضحا مواصلة السياسة الخارجية الإيرانية اهتمامها بالقارة الأفريقية.
تعتمد إيران سياسة مختلطة في نفوذها داخل أفريقيا تجمع بين المذهب الشيعي والاقتصاد والعلاقات الثقافية والدعم العسكري، والاستجابة للهواجس الأمنية حول الممرات المائية وحركة التجارة في البحار الإفريقية، كما أنّ إيران أشد حرصا على بقاء نفوذها في اليمن لسبب إقليمي، وآخر مرتبط بالطريق الواصل إلى أفريقيا.