الموقف الصيني واضح كوضوح الشمس ومفاده بأن جزيرة تايوان تعد جزءا من الأراضي الصينية لكن بكين لم تتمكّن بعد من ضمها منذ نهاية الحرب الأهلية الصينية عام 1949. وفي جردة سريعة على الصراع حيال الجزيرة، عانت تايوان خلال السنوات الثلاث الماضية من الأنشطة العسكرية الصينية قربها. وفي أغسطس/ آب الماضي، نفذ التنين الصيني مناورات حربية حول تايوان بعد زيارة رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي تايبيه، ما أجج التوتر الصيني – الأميركي.
وفي أحدث حلقة من الصراع القديم الجديد حيال تايوان، أعلنت وزارة الدفاع التايوانية أن الجيش الصيني أرسل 71 طائرة وسبع سفن باتجاه تايوان في استعراض للقوة، واصفة المناورات بأنها من أكبر التوغلات العسكرية للصين حتى الآن فيما تعتبر ذلك بكين ردًا جازمًا على الاستفزازات والتواطؤ بين الولايات المتحدة وسلطات الجزيرة لاسيما بعد تبنّي وزارة الدفاع الأميركية قانون "تفويض الدفاع الوطني" الذي يسمح خصوصًا بتقديم عشرة مليارات دولار كمساعدات عسكرية ومبيعات أسلحة لتايوان.
توتر صيني - تايواني
وفي السياق، أشار المتحدث باسم مسرح العمليات في الشرق “شي يي” الى أن جيش التحرير الشعبي الصيني "أجرى في المجالين البحري والجوي حول جزيرة تايوان دوريات استعداد قتالية متعدّدة الخدمات وتدريبات هجومية مشتركة".
من جهتها، قالت وزارة الدفاع التايوانية إن "سلوك الحزب الشيوعي الصيني هذا يسلّط الضوء مرة أخرى على عقليته، التي تتعلق باستخدام القوة لتسوية النزاعات وتقويض السلام والاستقرار الإقليميين".
وعن توقيت المساعدات العسكريّة الأميركية لتايوان، يشير الأكاديمي والخبير في إدارة النزاعات الدوليّة د. إسحاق أندكيان، في حديث لـ"جسور"، الى أن "هناك توجّسا من الطرف التايواني من أنّ الصين ستكون قادرة على اجتياح تايوان عسكريّا ً بحلول سنة 2025 بحسب تصريحات وزير الدفاع التايواني.
أضف إلى ذلك، المواقف الصينيّة المتكرّرة حيال استعادة تايوان وضمّها إلى الوطن الأم، أي الصين، وكان آخرها تصريحات الرئيس الصيني شي جين بينغ خلال الجلسة الافتتاحية للمؤتمر الخماسي للحزب الشيوعي.
وبما أنّ تايوان شريك إستراتيجي للولايات المتّحدة الأميركيّة ليس من منظار الحريّة والديموقراطيّة وحقوق الإنسان فحسب، بل من منظار المصالح المشتركة لا سيّما الإقتصاديّة منها فيما يتعلّق بإنتاج تايوان للرقائق الإلكترونيّة التي تستخدمها الولايات المتّحدة في صناعة السيّارات والأدوات الطبيّة وأجهزة الكمبيوتر والصناعات التكنولوجيّة المتطوّرة. وبالتالي من الطبيعي جدّاً أن تساعد الولايات المتّحدة الأميركيّة حليفا ً إستراتيجيّا وشريكا ً إقتصاديا ً أساسيّا".
زحف التنين الصيني
وأظهرت بيانات وزارة الدفاع التايوانية أن المناورات الصينية الأخيرة هي الأكبر منذ أن بدأت الوزارة بإصدار إحصاءات يومية للتوغلات الصينية.
ولا يعتقد أندكيان أن "الصين ستردّ على المساعدات العسكريّة الأميركيّة لتايوان بأي عمل عسكري أو أمني. فبكين تهدّد وتتوعّد واشنطن عند كلّ حدث تعتبره الصين بأنّه يمسّ كرامتها الوطنيّة كما كان الحال عند زيارة رئيسة مجلس النوّاب الأميركي نانسي بيلوسي لتايوان، اذ هدّد الصينيّون بإسقاط طائرتها لثنيها عن قرار الزيارة إلا أن عندما حصلت الزيارة لم تقم الصين بأي عمل يُذكر باستثناء بعض المواقف السياسيّة الحادّة". وأوضح "الردّ الصيني على المساعدة الأميركيّة لتايوان سينحصر بالإطار الكلامي والديبلوماسي بعيدا من الضربات العسكرية لأن لا مصلحة للصين بذلك".
مواجهة صينية - أميركية
وفند أندكيان نظرية احتمال نشوب حرب باردة قريبة بين الولايات المتّحدة وحلفائها من جهّة والصين وحلفائها من جهّة أخرى، مشيرا الى أنه" إثر الحرب الروسية على أوكرانيا، صرّحت إدارة الرئيس جو بايدن مراراً وتكراراً أنّها لن تنخرط بمواجهة عسكريّة مباشرة مع روسيا وأنّ خصمها الأساسي هو الصين، ذلك أن بكين تنافس الولايات المتّحدة عسكريا واقتصاديا ما يشكّل خطراً على قيادة أميركا للعالم والأحاديّة التي تتمتّع بها منذ إنهيار الإتحاد السوفياتي. ثانياً، اعتبرت وثيقة المفهوم الاستراتيجي الجديد لحلف الناتو أن الصين تشكّل تحدياً لمصالح دول الحلف وأمنها، وأنّ طموحات الصين المُعلنة وسياستها القسرية تتحديان قيم الدول الأعضاء في الحلف. ثالثا، أنشأت الولايات المتّحدة حلفا عسكريّا أمنيّا دفاعيّاً ثلاثياً يُعرف بـ "الأوكوس - AUKUS"، أعلنت عنه في 15 سبتمبر/أيلول 2021 ويهدف الى كبح جماح الصين في منطقة الإندو- باسيفيك. ويضمّ الحلف كلّاً من المملكة المتّحدة وأستراليا التي حصلت على ثماني غواصات تعمل بالطاقة النووية بموجب التعاون المشترك".
استياء صيني
وكانت وزارة الخارجية الصينية كشفت عن "استيائها القوي ومعارضتها التامة" لقانون تفويض الدفاع الوطني الأميركي الذي اعتمده الرئيس جو بايدن. ويجيز هذا القانون إنفاقا عسكريا تبلغ قيمته 858 مليار دولار، يشمل السماح بمساعدة أمنية تصل قيمتها إلى عشرة مليارات دولار ومبيعات أسلحة سريعة لتايوان.
وشمل القانون أيضا تعديلا يقيد مشتريات السلطات الأميركية من منتجات تستخدم شرائح إلكترونية تصنعها مجموعة معينة من الشركات الصينية.
من جانبها، قالت الصين إن القانون يشمل بنودا "تحدث ضررا خطيرا للسلام والاستقرار في مضيق تايوان". وورد في بيان وزارة الخارجية الصينية "القضية تتجاهل الحقائق لتضخيم تهديد الصين وتتدخل بشكل تعسفي في الشؤون الداخلية للصين، وتهاجم وتشوه الحزب الشيوعي الصيني، وهو ما يمثل استفزازات سياسية خطيرة للصين".