يختلف منطق حماية الشعوب بين الأقليّات والأكثريّات. فالأكثريّات تسعى إلى زيادة عددها من خلال العامل الديموغرافي معطوفًا على عمليّة تسلّح نوعيّ تؤمّن المزيد من عناصر القوّة لهذه الأكثريّات بعد نجاح الديموغرافيا.
ولعلّ النموذج الشيعي اللبناني هو خير دليل على ذلك. أمّا الأقليّات إن اعتمدت على السلاح فهي حتمًا ستستنزَف عبر الزمن في المواجهة المسلّحة المستمرّة. لذلك ما أثبتته التّجارب عبر عمليّات الصراع المستمرّة أنّ ضمانة حماية الدّساتير والقوانين والشرع العالميّة لهذه الأقليّات هو أفعل بكثير من ضمانة السلاح.
وفي هذا السياق تتابع النائب كلارا أوديشو في حديثها لموقع جسور عربيّة عن هذا الموضوع بالذات فتثير مسألة التشريعات التي تعمل عليها انطلاقًا من برلمان كوردستان. انطلاقًا من كون الدّيمقراطيّة الحقيقيّة هي في حماية حقوق الأقليّة وليس في تسلّط الأكثريّة بحكمها هذه الأقليّة.
الضمانة في التشريعات
في هذا السياق توضح أوديشو أنّه في "إقليم كوردستان لدينا كوتا للأقليات في البرلمان وهذا ما يضمنه القانون، وهي كوتا على الأساس القومي، خمسة مقاعد للشعب الكلداني السرياني الاشوري وخمسة للتركمان، ولدينا قانون حماية حقوق المكونات الدينية والقومية الذي شرّع عام 2015."
وتوضح أوديشو عن هذا القانون بأنّه "القانون الأوّل من نوعه في الشرق وتخص بنوده الحقوق الدينية والحرية الدينية والحقوق الادارية والقومية والثقافية". وتشير إلى "وجود بعض الثغرات فيه" لكنّهم كنوّاب عن الأقليّات في برلمان كوردستان يعملون على تعديله.
كذلك تتابع أوديشو حديثها لجسور عن قانون اللغة، وتشير إلى أنّ "إحدى موادّه خاصة بلغة المكوّنات القومية." وتكشف أوديشو لجسور أنّهم "بصدد العمل على تشريع قانون أكاديمية اللغة السريانية."وأفادت انّهم سيتقدّمون به للبرلمان ليصار إلى تشريعه في القريب العاجل. إضافةً إلى القوانين الاخرى التي تحترم خصوصية المكونات.
وترى أوديشو "أنّنا بحاجة لتشريع قوانين أخرى خاصّة متعلّقة بحقوق شعبنا وحماية وجوده في ظلّ التحديات الحالية." وتستذكر أوديشو في هذا السياق التجاوزات التي حصلت على أراضي الشعب الكلداني السرياني الاشوري في سنوات التسعينيّات. وترى ضرورة تشريع قانون لحماية أراضي الشعوب الأصيلة إضافةً إلى قرارات رسمية للاحتفال وإحياء المناسبات الدينية والقومية.
ولفتت في حديثها إلى أنّ الحكومة والقيادات في إقليم كوردستان ترحب بهكذا تشريعات على عكس بغداد. وتستذكر كيف انّ المسيحين هاجروا من العراق، ولا يتعدّى عددهم اليوم عشرات العوائل. ولو كان هنالك قوانين تحميهم لما هاجروا و تركوا بيوتهم وأعمالهم.
وتعيد اوديشو في حديثها هذه التحديات بسبب الدستور العراقي الذي لاينصف غير المسلمين. ولحظت فيه ثغرات، وبرأيها "هذا الدّستور لا يصلح لمجتمع متعدّد القوميات والاديان، وفقراته تعطي الغلبة والسيطرة للدين الاسلامي، كمصدر أساسيّ للتشريع.
وتستشهد أوديشو بموضوع أسلمة القاصرين من أبناء الاقليات. وبرأيها هذا الموضوع "لا نستطيع حلّه في الاقليم بسبب الدستور الاتحادي الذي يؤكّد أنّ المصدر الرئيسي للتّشريع هو الشريعة الاسلامية. ويبقى أنّ طموح نوّاب الأقليّات في الإقليم يكم بتشريع قوانين تخصّ هذه الشعوب. لكن ذلك محال حتّى الساعة بسبب تعارض ذلك مع بعض بنود الدّستور.
ضرورة تشريع الإدارة اللامركزيّة
فبالنسبة إلى دعمهم القوانين التي قد تعطي للمكوّن المسيحي نوعًا من الإدارة اللامركزيّة من ضمن الدّستور الفدرالي في الإقليم تفيد أوديشو في حديثها لجسور أنّ "الهدف الرئيسي بالنسبة إلى مجلس الشعبين الكلداني السرياني الاشوري سورايا هو تثبيت المادة 35 في مسودة دستور الاقليم في الدستور الدائم." وتنصّ هذه المادّة على الآتي:
"يضمن هذا الدستور الحقوق القومية والثقافية والإدارية للتركمان، العرب، الكلدان والسريان والأشوريين، الأرمن بما فيها الحكم الذاتي حيثما تكون لأي مكون منهم أكثرية سكانية وينظم ذلك بقانون."
وتشير أوديشو إلى أنّ السياسي "رابي سركيس أغاجان" الذي بدأ مسيرته السياسية عندما عين عضوًا في برلمان اقليم كوردستان سنة 1992 والذي تمت ترقيته إلى موقع نائب رئيس إقليم حكومة كوردستان سنة 1999، وعين سنة 2004 وزيرًا للمالية في الإقليم إضافة إلى منصبه السابق. أكثر أشطته كانت في منطقة سهل نينوى التابعة إداريًا لمحافظة نينوى، ونشط كذلك بتلك الفترة في تمويل الكنائس في العراق كما قام بحملة من أجل بناء قرى بمساندة حكومة كوردستان بلغ عددها 105 قرى من أجل توطين المسيحيين الذين نزحوا من بغداد والموصل بها.
إضافة إلى ذلك شكل رابي حزبًا سياسيًّا وقناة تلفيزيونيّة وميليشيات محلية في قرى سهل نينوى بحجة حماية المسيحيين بها. وغالبا ما يوصف من قبل الحكومة الكردية على أنه ممثل للمسيحيين العراقيين. فبجهوده تم تثبيت هذه المادّة في مسودة الدستور.
وتفيد أوديشو في حديثها لجسور أنّهم كممثّلين للشعب المسيحي "نسير على نهجه الان وسوف نعمل من أجل تثبيت هذه المادة في دستور الاقليم الدائم، وهنالك المادة 125 في الدستور الفيدرالي الخاصة بضمان حقوق الاقليات تؤكّد الحقوق الادارية والسياسية والثقافية وعليها أصدر مجلس الوزراء قرار رقم 16 بتاريخ 21/ 1/2014 والذي أقرّ الموافقة المبدئية على استحداث محافظة نينوى لكلّ مكوناته على أساس جغرافي وإداري وفق احصاء 1957."
أمّا لدى سؤالنا أوديشو عن الفائدة من استحداث هذه المحافظة فأشارت إلى "الاستفادة من المادة 119 في الدستور العراقي التي تنص على:
- يحق لكل محافظة أو اكثر تكوين إقليم بناء على طلب بالاستفتاء عليه ويقدم بإحدى الطريقتين:
أولاً: بطلب من ثلث الأعضاء في كلّ مجلس من مجالس المحافظات التي ترغب تكوين الاقليم
ثانيًا: بطلب من عشر الناخبين في كلّ محافظة من المحافظات التي ترغب تكوين الاقليم."
وتتابع أوديشو حديثها قائلةً: "لكنها أصبحت مجرّد مادة دستورية دون أن يصدر قانون ينظّم حقوق الأقليات وفقها، ونطالب بتطبيقها واستحداث محافظة في منطقة سهل نينوى للمكونات الساكنة فيها." وختمت حديثها لموقع جسور عربيّة معدّدة فوائد تحقيق ذلك كالآتي:
1. سيحافظ ويعزّز من وجود شعبنا.
2. سوف تنتهي الانتهاكات والاعتداءات بحقّ هذه الأقليّات.
3. ستنتهي عمليّة التغيير الديموغرافي من قبل الجماعات المختلفة والعديدة، وخاصة بعد الكارثة التي حلت بأبناء شعبنا، ممّا أوصله إلى عواقب وخيمة.
4. سينتهي التهديد باستمرار وجود هذا الشعب على أرضه التاريخية باعتباره مكون أصيل من مكونات الشعب العراقي."
هكذا تبدو خارطة الطريق لضمان وجود هذا الشعب الذي لن يتمكّن من مواجهة المدّ الديموغرافي المسلّح إلا عبر استقلال ذاتي مضمون بالدستور ومحميّ من قبل كلّ المنظمات والتشريعات الدّوليّة؛ لتبقى منطقة الشرق الأوسط منطقة تلاقي وحوار الحضارات، وكي لا تبقى منطقة غير مستقرّة ومضطربة إلى ما لا نهاية.