ينبغي الوقوف عند ظاهرة "اقتحام" المؤسسات الرسمية، التي ارتفعت وتيرتها في الآونة الأخيرة في بلدان شتى، لما تحمله من أبعاد اجتماعية، نفسية وسيكولوجية. فاقتحام المئات من مناصري الرئيس البرازيلي السابق اليميني المتطرف جايير بولسونارو، الذين يرفضون الاعتراف بفوز لولا دا سيلفا في الانتخابات الرئاسية، مبنى الكونغرس والمحكمة العليا في البرازيل، يعيدنا الى الماضي القريب حيث اقتحم أنصار الرئيس السابق دونالد ترامب مبنى الكابيتول لأنهم يرفضون قطعا الإقرار بخسارتهم.
وتواصل مسلسل الاقتحامات في السنوات الأخيرة، عنوانه هذه المرة أرض الرّافديْن حيث اقتحمَ أنصار التيار الصدري مبنى البرلمان العراقي، مطالبين بحله وإجراء انتخابات نيابية مبكرة. وسطر اقتحام آخر التاريخ، اذ شهدت سريلانكا حوادث دراماتيكية بعدما اقتحم متظاهرون القصر الرئاسي، وتمددوا على سرير الرئيس وتناولوا ما لذ وطاب من مطبخ مقرِ الرئاسة.
ولا يختلف اثنان على أن ما يشعل فتيل الاقتحامات هو شعب استاء من أكاذيب سلطات متعاقبة باتت كل وعودها حبرا على ورق وأمعنت بقهر وتعذيب المواطن. وقبل التطرق الى أسباب لجوء الشعب الى العنف من خلال اقتحام المؤسسات الرسمية، من المهم تعريف "العنف" من الناحية الاجتماعية ولو بصورة مقتضبة.
اذ يرى علماء النفس أن العنف هو حال من الضغط المادي أو المعنوي، بطابع فردي أو جماعي، ينزلها الإنسان بالإنسان فيما يتعلّق باستلاء حق من حقوقه الأساسية. ويلجأ الشعب الى الاقتحامات نتيجة لسياسات السلطة الفاشلة، وعدم تكافؤ الفُرص في المجتمع وعدم حصول الفرد على أبسط حقوقه المعيشية.
ومهما كثرت الاقتحامات وتعددت فالهدف واحد يكمن في احقاق العدالة التي لها علاقة وثيقة مع المواطنة، فبقدر ما يشعر الفرد بمكانته وقدره وأمنه، بقدر ما يصبح مواطنا إيجابيًّا يمارس دوره في البناء العام، ويشعر بقيمة الحياة على الصعيد الفردي.
والتركيز على أهمية العدالة وصونها بالنسبة للفرد والمجتمع يمكن اعتباره خطوة تأسيسية لبناء المجتمع، لكن في الواقع احقاق العدالة يبقى شعارا رنانا ومن الصعب تحقيقه لان العدالة تصبح واقعا عندما ينتفي الجور والظلم والقهر والاستغلال والتمييز في العالم.
وفي حديث لـ"جسور"، اعتبرت المحللة النفسية ريما بجاني أن "ظاهرة الاقتحام ليست فقط نتيجة الغضب العارم لدى الشعب، اذ لُب الموضوع يكمن في قمع الشعوب وعدم الاستجابة الى مطالبهم ما يؤدي الى التعبير عن رفضهم للواقع الذي يعيشونه بأبهى وجوه العنف أي باقتحام المقرات الرئاسية. ويقع جزء كبير من المسؤولية على عاتق الطرف الذي لا يكترث الى مطالب الشعب، ما يخلق شرخا واسعا بين السلطة وعامة الشعب".
وتعليقا على المشاهد الهوليودية التي تسطر كل اقتحام وأبرزها مشاهد الغطس واللهو في مسبح حديقة القصر الرئاسي في سريلانكا، اعتبرت بجاني أن "كل ذلك يدل على أن الشعب يريد أن يستلم زمام السلطة ولكن مشاهد الجلوس مكان الرئيس في المقر الرئاسي مثلا لا تعني أن المواطن يسعى الى الاستيلاء على منصب محدد بل على العكس تماما الهدف يقتصر على الشعور بالقوة".
وعن مشاركة الأطفال في المظاهرات تؤكد بجاني أن "انخراطهم في الاحتجاجات الدموية ينعكس سلبا على صحتهم النفسية وهم يسددون الفاتورة الكبرى، إذ إن رؤية الأطفال لمواقف عنف يمكن أن تزيد من سلوكهم العدواني، وتؤثر في اتجاهاتهم وتؤدي بهم إلى القول إن المظاهرات ما هي إلا طرق وأساليب فعالة لحل الكثير من المشاكل والصراعات".
وختمت سائلة "ما شعور الأطفال عندما يتابعون مشاهد مؤلمة من سقوط قتلى وجرحى في المظاهرات، وكذلك عندما يشاهدون صدامات واشتباكات عنيفة بين أبناء الوطن الواحد ؟ وهل يدرك الأطفال معنى الشعارات السياسية التي رددوها في المظاهرات وأبعادها وخلفيات وأسباب النطق بها ؟ وهل يمكن تربيتهم على تجنب العنف في مجتمع مليء بمشاهد وأحداث العنف والقتل؟"