كتب بديع يونس في جسور:
وكأنه كتاب واحد تقرأ فيه الميليشيات الإيرانية. كما في بيروت وبغداد كذلك في صنعاء، فالإثراء غير مشروع وصل حدّ "السرقة" ، وكل ذلك على حساب المواطن العادي. قبل أيام، نشر خبير سيبراني يمني فيديو يفضح فيه عملية احتيال موصوفة قبل أن يُضطر لحذفه تحت "التهديد له ولعائلته" وفق المصادر.
المهندس العليمي صاحب الفيديو، كشف معلومات جديدة عن عبث الحوثيين وسطوتهم على أموال اليمنيين وعلى كل من يرفض العمل معهم. المهندس المذكور كان يعمل في العاصمة اليمنية المحتلة كـ"رئيس لنقابة ملاك شبكات الانترنت" حتى نهاية العام 2021. يومها فرّ من ملاحقة الحوثيين له ـ والتي طالت أسرته أيضا ـ بعد رفضه العمل مع ما يسمى بـ"جهاز أمن المخابرات الحوثي".
كشف المهندس العليمي عن عملية سطو موصفة، حيث قامت المليشيا بعملية نهب منظمة لمليارات الريالات من التحويلات المالية للمواطنين. وقام بنشر وثائق بحسابات بنكية (تتبع لقادة حوثيين) تستقبل "تلقائيا" من شركات الصرافة حوالات اليمنيين العاديين. واللافت أنّ مبالغ التحويلات في شبكة واحدة (من أصل 22 شبكة) تصل خلال شهر واحد إلى أكثر من اثني مليار ريال يمني (حوالي 4 ملايين دولار).
وأشار المهندس اليمني إلى أن المليشيا تقوم بأخذ كشف يومي بجميع عمليات التحويل المالي، لافتًا إلى أن هناك أكثر من 250 ألف حوالة مالية جديدة تستعد المليشيا لمصادرتها.
وهنا يطرح السؤال الأبرز الذي ينسحب على كل الميليشيات في المنطقة: هل بات التمويل الإيراني غير كافٍ على وقع الأزمات المتلاحقة والمتراكمة وتدفع ثمنه اقتصادات الدول المحتلة؟ لعلّ الجواب على هذا السؤال يتضمن أكثر من نافذة يمكن تلخيصها بالتالي، وكل قارئ من بغداد إلى دمشق فبيروت وصنعاء وصولا لغزة يسهل عليه نسب الأمثلة لوضعه المأزوم كمواطن في هذه العواصم.
أولا، نجحت هذه الميليشيات بإقامة اقتصادها الموازي أو ما يسمى بـ"الاقتصاد الأسود" والذي راح يستنزف الاقتصادات الرسمية وصولا حتى "انهيارها". فباتت هذه الاقتصادات الموازية تتحكم بمصير الدول المحتلة وشعوبها. وهنا أستذكر توصيفا دقيقا قاله لي دبلوماسي عربي: "إيران لا يمكنها احتلال الدول بالحرب بل تعمل على تفتيتها من الداخل وبضربة قاضية تتمكن ـ من خلال معركة عصابات ـ من الاستحكام ووضع قبضتها على البلاد".
ثانيا، يستخدم الاقتصاد الموازي لـ"ساعة الصفر" أي حين تُضطر هذه الميليشيات لتأمين ميزانيتها إذا اضطرب الوضع من جهة الممول لسبب أو لآخر (كما يحصل في إيران منذ 2018 مع عودة العقوبات على طهران وما استتبعه من انهيارات اقتصادية في العواصم المحتلة).
أما ثالثا، وهو الأكثر ارتباطاً بالمثال المشار إليه أعلاه، فهو إعطاء فسحة لإثراء قادة ميليشيويين سيحرصون على استمرار الوضع القائم STATUS QUO من دون الانقلاب على الميليشيا لأنهم مستفيدون على الصعيد الشخصي ومصالحهم تصبح جزءا لا يتجزأ من الاحتلال والحفاظ عليه وحمايته.
انطلاقا من هذا السبب الأخير، تم تسجيل عملية نهب أخرى في صنعاء أيضا. تتمثل بقيام شركة "توظيف أموال" جديدة بالاحتيال على آلاف اليمنيين بمليارات الريالات بعد إيهامهم بأنهم يستثمرون في قطاع العقارات لتؤكد المصادر أنّ العملية كانت "وهمية". تنقل قناة "الحدث" عن مصادرها بالعاصمة اليمنية أنّ شركة "إعمار تهامة للمقاولات" تمكنت من جمع مليارات الريالات من نحو أكثر من 6 آلاف مساهم يمني ادعت أنها ستوظفها بمشاريع عقارية. وتنقل المصادر عن مساهمين يمنيين أنهم لم يحصّلوا أو يقبضوا أي أرباح كما تم وعدهم. ما يؤكد كلامهم هو أنّ هذه الشركة تمت إحالتها إلى المحاكم الحوثية بالتالي "عملية النهب" مؤكدة. لكنّ القصة لا تنتهي هنا.
ليست المرة الأولى التي تتم فيها إحالة شركات تحتال على المواطنين إلى القضاء الحوثي لكنّ اللافت هو أنّ قرار الحكم ينتهي بوضع الميليشيا اليد على أصول الشركات المتهمة ولا يتم إعادة الأموال لأصحابها لا بل يتم "الاستيلاء على هذه الأصول".
مصادر قضائية أكدت لـ"الحدث" إحالة ملف شركة "إعمار تهامة" إلى محكمة الأموال العامة بصنعاء والتي ترأسها القيادية سوسن محمد علي الحوثي. مصادر حقوقية أفادت بأن "نافذين حوثيين يديرون الشركة وشركات أخرى مماثلة تم تأسيسها في السنوات الأخيرة للإحتيال على مدخرات اليمنيين والقيام بعمليات غسيل أموال، وبعد الانتهاء منها تتم محاكمة أصحابها وتوضع الأصول في حسابات الميليشيا مع أخذ القادة نسبتهم من عملية الاستحواذ".
وهذا ما حصل مع أشهر شركة اسمها "قصر السلطانة" التي تعمل بمجال توظيف أموال بصنعاء. سطا عليها الحوثيون بعد أن جمعت أكثر من 120 مليار ريال من يمنيين في مناطق الحوثيين لتوظيفها وأنتهى بها الحال في قبضة الميليشيات الحوثية بجميع أصولها وأموالها وأودعت مديرتها السجن ولم تعد أموال اليمنيين إليهم، بل انتهت في خزائن الميليشيا.
إنها عمليات موصوفة لنهب شعب يتشارك مصيره مع شعوب قابعة تحت الاحتلال الإيراني في 4 عواصم ومحكوم من قبل الميليشيات.