يشهد العديد من الدول العربية أزمات في أسعار عملاتها أمام الدولار الأميركي، حيث تعاني دول مثل العراق ولبنان ومصر والسودان وتونس من تراجع في قيمة عملاتها ناهيك عن عدم القدرة على توفير الدولار في بعضها. ومنذ عدة أسابيع يشهد العراق ارتفاعا في سعر صرف الدولار عما هو محدّد من قبل البنك المركزي العراقي، إذ يتم تداوله ضمن مستويات 1570 دينارا مقابل الدولار، بينما تبلغ أسعاره الرسمية ضمن مستويات 1460-1470 دينارا مقابل الدولار.
ويعزو البعض سبب هذا الارتفاع والانخفاض إلى تهريب العملة بالدولار إلى إيران، وإجراءات البنك الفيدرالي الأميركي بفرض عقوبات على البنوك العراقية الخاصة التي تقوم بعمليات التهريب وغسيل الأموال وغيرها إلى إيران والدول المجاورة.
ويحتلّ العراق، البلد الغني بالنفط لكن المنهك من الفساد وتبييض الأموال، المرتبة 157 (من 180) في مؤشر منظمة الشفافية الدولية عن "مدركات الفساد".
فضيحة تهريب بـ 10 مليارات دولار
وبالتزامن مع فضائح الفساد المالي الكبيرة، وفي مقدمتها ما صار يعرف بـ "سرقة القرن"، وانهيار العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، أعلن عضو التيار الصدري، صفاء الأسدي، عبر حسابه الرسمي على تويتر عن تهريب 10 مليارات دولار، ما تسبّب بزيادة أسعار العملة مقابل الدينار العراقي، متسائلا: "إلى أي دول هُرّبت؟! وهل حكومة الثلث المعطّل تعلم بذلك أم لا"؟!
مصادر تتحدث عن تهريب 10 مليار دولار مما تسبب بزيادة اسعار الدولار
السؤال؛
الى اي دول تم تهريبها؟!!
وهل حكومة الثلث المعطل تعلم بذلك ام لا؟!!#سرقة_القرن— صفاء الاسدي (@safaasde3) January 11, 2023
كذلك، كشف الباحث السياسي، ليث شبر، عن معلومات قال إنها تكشف "للمرة الأولى"، تتلخص بامتلاك إيران لأموال ضخمة من الدينار العراقي تشتري عبره الدولار من السوق العراقي وتستنزفه.
وقال شبّر: "لدينا معلومات عن أن إيران لديها 50 تريليون دينار من العملة العراقية تسعى لاستبدالها بالدولار وهذه معلومة تكشف للمرة الأولى"، مبينًا أنه "إذا بقي سوق الدولار العراقي مفتوحًا للشراء على مصراعيه فإن الدولار لن يصل إلى 200 ألف دينار فقط بل إلى 500 ألف دينار لكل 100 دولار". وأوضح أن "العراق ليس عليه ان يتخذ اجراءات حكومية فقط بل دولية أيضًا ويجب ان يفاتح مجلس الأمن الدولي لعقد اجتماع خاص بهذا الأمر لأن هذا الملف يخص معيشة المواطنين ويمس الأمن القومي للبلد، لأنه سيستنزف جميع العملة الصعبة التي يمتلكها العراق".
مسؤولية من؟
وبحسب ما أكد مصدر متابع لـ "جسور"، فضّل عدم الكشف عن اسمه، فان الأغلبية تحمّل التدخّلات الأميركية في الشأن العراقي، مسؤولية ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الدينار العراقي، كون العديد من العراقيين يسافرون إلى دول محظورة أميركيا أي أنها واقعة تحت الحصار الأميركي أو الخليجي، ومنها سوريا وإيران ولبنان.
وبيّن المصدر أنّ ارتفاع سعر الدولار داخل العراق، من شأنه المساهمة في خفض أعداد العراقيين المسافرين لهذه الدول لعدة أسباب، مضيفا أن تهريب العملة في العراق قائم على قدم وساق منذ العام 2003 ولغاية اليوم.
وزاد قائلا: "بعض المصادر أفاد بأن شركات تبيض الأموال بدأت ترفع نسبة عمولتها من تهريب العملة حتى وصلت إلى 70%، ورغم ذلك فإن تهريب العملة يجري خارج العراق على الرغم من هذه النسبة المهولة، ورقم 10 مليارات دولار من الأرقام البسيطة جدا قياسا مع الأرقام الفلكية التي تهرّب عبر المنافذ المختلفة".
من يتحكم بسعر الصرف؟
رأي آخر عبّر عنه الصحافي والمحلل السياسي، خطاب القيسي، معتبرا أنّ قضية تهريب العملة في العراق ترتكز بشكل أساس على ملف مزاد العملة الشائع، حيث يتم بيع الدولار لأصحاب رؤوس الأموال والمصارف الأهلية بطريقة مزاد أو سوق العملة، وهم من يتحكمون بسعر الصرف من حيث عملية الشراء والبيع في الأسواق، قائلا: "ما كشفه عضو التيار الصدري، صفاء الأسدي، ربما غير صحيح بسبب حجم المبلغ المذكور، خصوصاً بعد الأزمة الحالية التي يعيشها العراق بسبب ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الدينار العراقي".
وتابع القيسي لـ "جسور"، أنّ الحكومة العراقية طرحت آلية لشراء الدولار من المنافذ الحكومية وغير الحكومية أكثر سلاسة من سابقاتها وبأقل سعر، كما لا يمكن تهريب هكذا مبلغ ولأي دولة كانت حتى وإن كان العراق يرتبط معها بعلاقات وثيقة، والحكومة وفق القيسي، جادة في العمل على مستوى الخدمات ومكافحة الفساد، والنتائج الجديّة لعملها أصبحت ملموسة لدى المجتمع العراقي.
جملة من الأسباب
أستاذ العلاقات الاقتصادية الدولية في الجامعة العراقية، عبد الرحمن نجم المشهداني، قال إن ما يشهده العراق يُشكّل "انخفاضا بقيمة الدينار أمام الدولار، وهو يختلف عما قامت به الحكومة في 2020 بتخفيض قيمة العملة الذي كان مقصودا حينها".
ويشرح في تصريح لـ "جسور" أنّ أسباب انخفاض قيمة الدينار العراقي أمام الدولار له عدة أسباب، منها "الإجراءات التي اتخذت فيما يتعلق بمبيعات نافذة بيع العملة الأجنبية والتي وصلت لمستويات قياسية، وهو ما يشكّل مؤشرا على غسل وتهريب الأموال، وهو ما تنبه له البنك الفيدرالي الأميركي، وما دفعه إلى معاقبة 4 مصارف كانت تستحوذ على 40 في المئة من مبيعات النافذة، وهو ما قلل المبالغ المتاحة للتداول، وخفض الحوالات الخارجية".
وأضاف المشهداني أن هذا الأمر إضافة إلى "استخدام منصة إلكترونية جديدة من قبل البنك المركزي العراقي"، دفع بالعديد من المتعاملين إلى التعامل مع مكاتب الصيرفة والسوق الموازية، ليصبح هناك طلب كبير على "الدولار الكاش"، ما تسبب في تراجع قيمة الدينار العراقي.
وكان البنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي قد فرض تعديلات على إجراءات الحوالات العراقية التي تمرّ بنظام "سويفت"، لتضم تدقيقا في مصدر الأموال وحتى المستقبِل النهائي، وهو ما جاء بعد تبعات ما عرف بقصة "سرقة القرن" في العراق.
وأوصى صندوق النقد الدولي، في مطلع ديسمبر/ كانون الأول، بتعزيز الاستقرار المالي في العراق، من خلال تسريع عملية تنفيذ النظم المصرفية الأساسية، والشروع في إعادة هيكلة المصارف الحكومية الكبرى، مشيرا إلى أن خبراء الصندوق يدعمون جهود البنك المركزي الرامية إلى تعزيز الرقابة على المعاملات من خلال مزاد العملات الأجنبية، وخططه التي تهدف إلى استكشاف الآليات البديلة لتمويل التجارة بغية تسهيلها.
كما يدعو الصندوق إلى "تطوير الأدوات اللازمة لإدارة السيولة النقدية لأجل دعم استقرار سعر الصرف على نحو أفضل".