كتب خالد العزي في جسور:
تسعى روسيا لتُجلس تركيا وسوريا على طاولة الحوار قريبًا، وقد أعلن الطرفان بأنهما مستعدّان لبدء حوار مباشر من خلال وساطة روسيا، ولدى أردوغان والأسد الكثير من المواضيع للمناقشة.
قال الممثل الخاص للرئيس الروسي للشرق الأوسط وأفريقيا، ميخائيل بوغدانوف، بتاريخ 17 كانون الاول/ديسمبر الماضي، بأن موسكو تقيّم بشكل إيجابي فكرة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عقد قمة روسية - سورية - تركية. وموسكو تجري محادثات مع دمشق بشأن تنظيم اجتماع للزعماء الثلاثة.
إنها مفارقة غريبة، لكن استعداد رجب أردوغان للحديث مع بشار الأسد مرتبط بالعملية المخطّط لها للقوات التركية في سوريا. فما الذي يمكن أن يتفق عليه قادة تركيا وسوريا، وما الفائدة التي سيجنيها الروس من اتفاقهم؟
ان أهم شيء في القمّة الثلاثية المحتملة هو أن تركيا غيرت موقفها من سوريا، وهي مستعدة للدخول في حوار مع سوريا. في البداية، رفضت أنقرة التفاوض مع دمشق حتى إجراء الانتخابات في تركيا، فعلى مدى السنوات الماضية، كان أردوغان متشككًا في الأسد، بالرغم من أنهما كانت بينهما علاقة شخصية وثيقة إلى حد ما".
لا عداء دائم في السياسة
كان سبب التغيير هو بداية الربيع العربي 2010-2011، حيث دعمت أنقرة خلاله حركات المعارضة في كل من الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. عندما بدأت المظاهرات في سوريا عام 2011، نصح أردوغان الأسد بالاستجابة لمطالب المحتجين، لكن قوات الأمن في دمشق ردّت بقسوة على هذا التحدي. مما دفع أردوغان إلى اتخاذ مثل هذه التصرفات كمناسبة للاستياء الشخصي، وبعد ذلك انضمّت أنقرة إلى المجتمع الدولي بعد الضغط الشعبي على الأسد.
ومع اندلاع حرب أهليّة واسعة النطاق في سوريا، صرّح أردوغان بأن الشرط النهائي للصراع يجب أن يكون "سوريا بدون الأسد". واتهم الرئيس التركي رئيس سوريا باستخدام أسلحة كيماوية ووصفه بأنه "جثة سياسية"، وتركيا تدعم تقليديًا المعارضة المسلحة.
دعمت أنقرة الجيش السوري الحر، وهو تجمع "المعارضين العسكريين المعتدلين، والذي نشط في بداية الحرب. لكن بعد عملية درع الفرات البرية 2016-2017، شكّلت تحالفًا خاضعًا لسيطرتها الكاملة من الجماعات العربيّة والتركمان (أقرباء الأتراك) في محافظة إدلب، وأطلق عليه اسم "الجيش الوطني السوري".
يُعتبر الجيش الوطني السّوري الموالي لتركيا كلاً من القوات الحكومية في دمشق والإسلاميين من تحالف هيئة تحرير الشام (الذي يقوم على جبهة النصرة سابقًا) الخصم الرئيسي للأكراد في قوات سوريا الديمقراطية التي يقودها حزب العمال الكردستاني.
ويذكر أن قوات سورية الديمقراطية، إما بشكل مستقل أو بالاشتراك مع قوات الحكومة السورية الخاصة، تسيطر تقريبًا على كامل شمال شرق سوريا - روج آفا أو كردستان السورية.
من الواضح أن أردوغان أبدى اهتمامًا واضحًا بتنسيق جهوده بطريقة ما مع دمشق لإبعاد حزب العمال، وإخراج روسيا وأمريكا الداعمين للحزب اللذين يتهمان بدعم الارهاب. فإذا تم دمج المناطق الكردية في سوريا ووضعها تحت سيطرة دمشق، فإن القيادة السورية ستتحمل مسؤولية الأعمال المتطرفة للأكراد. سوف يكون هناك من يقدم ادعاءات ومع من يمكن التفاوض معه.
الوساطة الرّوسية المقبلة
لذا تحاول روسيا بكل جهدها أن تجلس أنقرة مع دمشق وإبعاد الكردستاني عن الواجهة كي لا تدخل تركيا في عملية عسكرية واسعة تصبح الأقوى والأقدر لفرض شروط الحلّ المقبلة، بظل ضعف روسيا واشغالها في أوكرانيا وتصاعد الانتفاضة الشعبية الايرانية.
روسيا ترى بأن قرار أردوغان بإجراء حوار مع الأسد، ليحل مشاكله الداخلية، وهذا سؤال يتعلق بالانتخابات الرئاسية المقبلة. كي يأخذ مفاتيح حل هذه القضية من المعارضة التي تحدثت مرارًا عن ضرورة إجراء حوار مع دمشق.
وهناك موضوع آخر مهم بالنسبة لتركيا هو "موضوع اللاجئين". اذًا، المفاوضات بين أنقرة ودمشق ستسهم بأية حال بحل هذه القضايا. وينتظر الجمهور التركي مثل هذه الاتفاقيات. وهذا، على الأرجح، عشية الانتخابات، حيث قرر أردوغان الاستفادة من هذه الملفات ".
من الواضح أن سبب تعليق أنقرة آمالها على مشاركة روسيا في عملية التفاوض، لطالما دعا أردوغان روسيا للضغط على دمشق وعلى الاكراد كي تصبح وسيطًا في المفاوضات بين انقرة ودمشق.
لروسيا علاقات تقليدية مع الأكراد، ومن المحتمل أن يكون لها تأثير كبير في إبعاد شبح الحرب المقبلة بينهما. بالإضافة إلى أنّ موسكو هي المنظم الرئيسي للمفاوضات حول التسوية السورية (حوارات أستانا) .
إن التعاون المباشر بين تركيا وسوريا الآن مفيد جدًا لروسيا نفسها. بما انها تواجه الآن الكثير من المهام السياسة الخارجية، فليس لديها وقت للسيطرة على كل خطوة من خطوات الأسد وأردوغان، فإذا تمكّنت دمشق وأنقرة من التفاوض بمفردهما، فإن مخاطر الصراع مع أحد الطرفين أقل خطرًا بالنسبة لروسيا. لأن موسكو مستعدة دائمًا لتوفير منصّة للمفاوضات أو لتهدئة الجوانب الحادة بينهما.
روسيا تعلم بأنّ أردوغان معني بشكل أساسي بقضية المناطق الكردية لأنه يرى التهديد المباشر للأمن القومي، وبالتالي حل العقدة بين تركيا والأكراد من خلالها عبر التفاهم مع النظام من جهة، ونشر قواته على الحدود والمعابر وقوات فصل بين الاكراد والاتراك.
ان إبعاد الأكراد بواسطة روسيا لتجنّب اشتباك قد يحصل في المنطقة، وقد يخسر فيه الأكراد المنطقة ويصبح اردوغان القوة الاساسية في سوريا لأنّ الانسحاب الروسي التدريجي والتوجّه نحو أوكرانيا هو الأساس، وبظل انشغال إيران في إخماد الانتفاضة التي لا تزال تشتعل يوميا وبالتالي التطبيع مع النظام يكون لصالح روسيا وإبعاد الغرب عن احتواء هذه الأزمة بدعم الأكراد والتوافق مع اردوغان من جهة اخرى على حسابها.
التطبيع مع سوريا لمصلحة تركيا
لذلك تعمل روسيا جاهدة بتسريع التطبيع بين أردوغان والأسد كي تحل فتيل الأزمة الناشبة التي لا تزال تركيا تقوم بتنفيذ العملية بطريقتها الخاصة والموجعة كي لا تنجر إلى حرب يدفعها إليها حزب العمال الكردستاني الموالي للمخابرات الروسية وللحرس الثوري الذي يتنقل بين جبال قنديل والجزيرة السورية وجبل سنجار في العراق) ويستخدمه الحرس الثوري الإيراني للإطباق على الأكراد وإبقاء مشكلة جبال قنديل مفتوحة مع تركيا دون حلول.
روسيا لا تستطيع الاعتراض على عمليّة اردوغان بضرب الارهاب الذي يصفها بأنها تحارب ضده في أوكرانيا وكذلك صفعة للغرب في حربها ضد الإرهاب الإسلامي "داعش وأخواتها" المتماهي مع الكردستاني .
توجهات أردوغان الخاصة بالتطبيع
أما بالنسبة لاردوغان فتختلف توجهاته بالتطبيع مع النظام السوري عن توجهات روسيا حيث يرى فرصته المناسبة لأجل السيطرة على الملف السوري بالكامل، والقضاء على طموحات الأكراد الاستقلالية، وإضعاف الكردستاني، خاصة بأنه يعلم بأن الروسي يريد إنهاء وجوده في سوريا والتوجه كليًا نحو الجبهة الأوكرانية، والإيراني مرهق جدًا، ووضعه صعب بظل الانتفاضة الداخلية والعقوبات الخارجية، والنظام مهدد بالسقوط أو اضعافه داخليًا وخارجيًا بأحسن الاحوال.
فليس صحيحًا أن أردوغان ذاهب للتطبيع لتجاوز الانتخابات الداخلية وإرضاء المعارضة بل من أجل ملء الفراغ المقبل في سوريا ولعب دور مستقبلي يتوافق عليه الجميع، وخاصة بظل ترتيب علاقة أردوغان مع الدول العربية المجاورة.
لكن لايزال الموقف السوري غير واضح للتطبيع مع الاتراك، وهذا ما يقلق روسيا، فإذا ابتعدت دمشق الآن عن هذا العرض قائلة إنها تتفاوض فقط حول ما بعد الانتخابات في تركيا، فإنه سيقوضّ صورة سوريا بشكل خطير، فإن وجّه الأسد أي إنذارات، فلن تقبلها تركيا تحت أي ظرف من الظروف وستتصرف وفقًا للخطة القائمة بالفعل.
وليس لدى دمشق فرصة، على سبيل المثال، لإخراج تركيا من أراضي الدولة بالقوة. فهل مهمة روسيا ستصل إلى النهاية بجلوس أنقرة ودمشق على طاولة المفاوضات وإبعاد فتيل الحرب في الشمال السوري؟