يقف لبنان أمام مفترق لا يقل خطورة عن ذاك الذي سبق انتفاضة 17 أكتوبر/ تشرين الأول 2019 حين عمّت تحركات شعبية العاصمة بيروت، رفضاً لواقع أذل اللبنانيين وكوى جيوبهم، وتمددت الى المناطق اللبنانية كافة، في مشهد وحّد أبناء بلاد الأرز بالمطالبة بتغيير الطبقة السياسية الحاكمة وتوفير أبسط حقوق المواطنة.
اليوم وبعد أكثر من ثلاث سنوات، عوامل عدة تحاصر المشهد الداخلي وتنذر بانتفاضة ثانية إذ سجلت الليرة اللبنانية انهيارات اضافية في قيمتها مع تجاوز الدولار عتبة 50 ألف ليرة لبنانية، وزاد الطين بلة أزمة سيولة حادة تشل كل القطاعات.
انتفاض دائم
وفي هذا السياق، يؤكد رئيس الإتحاد العمالي العام في لبنان بشارة الأسمر في حديث لـ"جسور" أن "مجموعة منتفضة على الواقع موجودة دائماً على الأرض وأول الغيث كانت تظاهرة مطلبية قبل أيام أمام وزارة الداخلية اللبنانية شارك فيها عمال المعاينة الميكانيكية الذين فقدوا وظيفتهم منذ 8 أشهر، انسحبت تباعاً على غالبية القطاعات، اذ شهد قطاع الاتصالات اعتصامات في أوجيرو( مشغل البنية التحتية الثابتة في لبنان) والقطاع التربوي كان على موعد مع تصعيد أيضا.
لكن البلاد لن تشهد قريبا تحركات موسعة لأننا في مرحلة دقيقة للغاية نظرا للوضع الأمني الراهن ولإمكانية استغلال الانتفاضة لأغراض سياسية بحتة ونحن بصدد اجتماعات مكثفة لمعالجة واقع الأجور في القطاع العام".
وختم الاسمر آملا "في أن تكون البلاد أمام انتفاضة شعبية تحت عنوان موحد "الواقع الاقتصادي الأليم" بعيدا من الانقسام السياسي الحاد والشعارات المذهبية والمناطقية لتجنب تفكك الحراك الشعبي. ولا ينبغي أن يقطع الثوار الطرقات بطريقة عشوائية، اذ يجب قطعها فقط أمام المسؤولين الذين أوصلوا البلاد الى جهنم."
تشرذم سياسي
هذا العصف الشعبي يتزامن والتشرذم السياسي، فلم تحمل جلسة مجلس النواب الحادية عشرة لانتخاب رئيس للجمهورية خلفا للرئيس السابق ميشال عون أي جديد للبنانيين، فالفشل في التوصل الى اسم يحظى بأصوات أغلبية النواب لتبوء منصب رئاسة الجمهورية هو هو، الا أن الجلسة تميزت عن سابقاتها بدخول مجموعة من النواب باعتصام مفتوح داخل المجلس النيابي وعدم مغادرته إلى حين انتخاب رئيس جديد.
وهنا يشير النائب اللبناني وضاح الصادق في حديث لـ"جسور" الى أن ذلك لا يُعد اعتصاماً بل حقّ دستوري بالبقاء في القاعة لحين انتخاب رئيس جديد للجمهورية، ما قد يحرك المياه التي تكتنف الاستحقاق الرئاسي."
وعن الفشل في انتخاب رئيس جديد للبلاد، يقول الصادق "إن بعض الكتل النيابية التي تمثل ميلشيات الحرب ليس من مصلحتها انتخاب رئيس جديد للبلاد لأسباب عدة. ولب المشكلة تكمن في انقسام المجلس النيابي ما يؤدي الى فراغ رئاسي مستمر، اذ من جهة تختلف كتلتا الوفاء للمقاومة ولبنان القوي على نقاط جمة ومن جهة ثانية لا يمكن لحزب القوات اللبنانية عقد أي اتفاق، كون ذلك سيؤدي الى زعزعة الحزب، ومن جهة ثالثة من الصعب على كتلة اللقاء الديمقراطي اختيار رئيس من الثامن من آذار."
ويختم صادق: "البلاد تعاني من أزمات عدة تجسدت في انهيار قيمة الليرة اللبنانية بنسبة تتجاوز 95% وارتفاع معدل الفقر في البلاد إلى 82% وازدياد البطالة والتضخم ونقص السلع الأساسية وخصوصا الوقود والأدوية وحليب الأطفال، وكلها عوامل كافية لاندلاع ثورة شعبية ضخمة شبيهة بانتفاضة 17 تشرين".