لا يختلف اثنان على ألا مساواة في كل أصقاع العالم، القاعدة نفسها تنسحب على حال المسنين اذ من الصعب النظر إلى واقعهم بوصفه قالبا واحدا في كل أنحاء البلاد.
وتشير آخر الدراسات الى أن عدد كبار السن (65 سنة وما فوق) في المنطقة العربية بلغ حوالى 21 مليون مسن عام 2020. ومن المتوقع أن ترتفع هذه النسبة إلى 11%، ليصل عدد كبار السن الى 71.5 مليون مسن بحلول سنة 2050. وذلك نتيجة التحكم في السلوك الإنجابي اذ انخفضت معدلات الخصوبة بشكل ملحوظ وارتفع متوسط العمر المتوقع عند الولادة في المنطقة العربية.
كل ذلك يزيد من حجم التحديات ويفرض على السلطات في البلاد العربية مضاعفة جهودها بغية احتواء المسنين كي لا يفترش بعضهم الطرقات، أو يسيرون تائهين في أزقة شوارع بكت على واقعهم المُر، أو يتكئون على عصي أو يجلسون على كراسي تائهة ومجهولة القدر.
وفي التفاصيل، أثارت صورة نُشرت على منصات التواصل الاجتماعي لسيدة كبيرة في السن تدعى فلة بورسالي، كانت أستاذة جامعية سابقة، غضب الجزائريين والسبب أنها توفيت في شارع بمدينة عنابة شمال شرقي الجزائر من شدة البرد.
وعن هذه القضية، أصدرت ولاية عنابة بيانا توضح فيه أن السيدة لم تكن مشردة، وجاء فيه "إن الضحية أستاذة جامعية وتمتلك سكنا خاصا وكانت تعاني من اضطراب عقلي، مما يجعلها تغادر من حين إلى آخر بيتها العائلي إلى أن وافتها المنية بأحد شوارع المدينة، وأن اللجنة الولائية المكلفة بالأشخاص من دون مأوى تباشر خرجاتها يوميا خصوصا في الليل".
ولكن التوضيح الذي نشرته ولاية عنابة أدى إلى زيادة حالتي الغضب والاستنكار بين جمهور منصات التواصل. وهنا أشار الكاتب والصحافي الجزائري علي بوخلاف في حديث لـ"جسور" الى أن "كامل المسؤولية تقع على الدولة التي ينبغي أن تحمي فئات المجتمع الهشة وعلى رأسها المسنون"، ويؤكد أن "الاستاذة الجامعية السابقة فلة بورسالي ليست من دون مأوى لكنها تعاني من اضطرابات نفسية ما يدفعها الى البقاء في الشارع، رغم ذلك يجب على السلطات احتواء كل من يعاني من مشاكل عقلية اذ لا يمكن أن يترددوا الى الشارع من دون ابلاغ الدولة كي تتخذ التدابير اللازمة لحفظ سلامتهم".
واستطرد موضحا " للأسف، كثيرون يعانون في الجزائر وباتوا يفترشون الطرقات اذ ان البلاد تعاني من نقص مراكز الرعاية الصحية ولا تمتلك الإمكانيات الكافية للحد من أمثال بورسالي ناهيك عن غياب الشبكات القوية التي تتكفل برعاية المشردين".
وأضاف ما يزيد الطين بلة من جهة أن "بعض المشردين يرفضون اللجوء الى مراكز الرعاية الصحية المحلية، ومن جهة أخرى الطقس الاستثنائي الذي يعصف بالبلاد يزيد وضع المشردين سوءا، اذ أطلقت إدارة الأرصاد الجوية تنبيهات بشأن هطول أمطار غزيرة وثلوج في عدد من المحافظات الجزائرية."
اذا، الشيخوخة هي حقيقة بيولوجية لها طريقتها المعينة في الحدوث خارج نطاق التحكم البشري لكن تكريس أهمية بالغة لكبار السن يدخل ضمن نطاقه. ولا يكفي احياء اليوم العالمي للمسنين في شهر أكتوبر/تشرين الأول من كل عام بل ينبغي العمل الدؤوب لتسليط الضوء على مشاكل الشيخوخة، والتذكير الدائم بالمسؤوليات تجاه المسنين.