على خُطى "إخوان تركيا" والمتمثلة بحزب العدالة والتنمية والرئيس رجب طيب أردوغان، الذي ينطلق من حسابات انتخابية ورئاسية، لتقليص الخسائر السياسية والامنية والعسكرية والاقتصادية في إعادة تقاربه مع روسيا وايران ومصر والسعودية، يسلك إخوان لبنان المتمثلين بـ"الجماعة الاسلامية"، خط إستعادة الانفتاح على معظم الاحزاب اللبنانية .
تُحاول الجماعة أن تحقّق خرقاً في الشارع السنّي في لبنان على صعيد الاستقطاب والتأطير وتقديم أطروحات المتمثلة بالمرونة السياسية المطلوبة لمواكبة المتغيّرات الاجتماعية والإقتصادية والسياسية والتي تتجاوز المسلّمات الفكرية الثابتة عند جماعات "الإسلام السياسي".
في المقابل، يقول المُراقبون إنّ "الجماعة" التي قاتل علماؤها ورجالُها وشبابها ضد ّالاحتلال الإسرائيلي، هي خارج حسابات محور الممانعة، ولها رؤية مختلفة بملفات سياسية عدة على الساحة اللبنانية.
ينتظر الأمين العام الجديد الشيخ محمد طقّوش مجموعة خيارات داخليّة وخارجيّة أهمها معالجة الإخفاقات والتحديات والبحث عن مشروع حزبيّ سياسيّ راغب بعبور الطوائف والمذاهب. الجماعة لن تفعل حاليا ما فعلته "حركة حماس" بإعادة علاقتها الكاملة مع النظام في سوريا بعد قطيعة دامت 10 سنوات واعترفت ببشار الأسد رئيساً.
الجماعة معنية بالانتخابات التركية
في الإطار، قال نائب رئيس المكتب السياسي للجماعة الإسلامية في لبنان الدكتور بسام حمود "لـ جسور": "شكلت الانتخابات التركية ونتائجها الحدث السّياسي العالمي الأبرز في الاسابيع الماضية. واجه الرئيس أردوغان تحالفاً عالمياً تتزعمه الادارة الأميركيّة ومن خلفها الدول الاوروبية التي جاهرت بدعمها الحلف السداسي من أجل اسقاط الرئيس التركي في الانتخابات".
وأضاف: "في المقابل وأمام هذه الهجمة الشرسة على باني نهضة تركيا الحديثة الذي حولها خلال 20 سنة من بلد مدِين وضعيف الى بلد النهضة الصناعية والبيئية والحضارية التي تفرض نفسها بقدراتها وانجازاتها واستقلالية قرارها على العالم اجمع. أمام كل هذا وقف أحرار العالم في وجه هذه "البلطجة الدولية" واعتبروا أنّ معركة أردوغان لا تعني الشعب التركي فقط، بل تعني كل حرّ يرفض الهيمنة الأجنبية ويتوق لعودة هذه الامة الى سابق عهدها والى حضارتها وامجادها."
استراتيجية الجماعة ثابتة
عن الاستراتيجية الجديدة للجماعة ودورها السياسي في لبنان وعلاقاتها مع المكونات السياسية اللبنانية بعد فوز الأمين العام الشيخ محمد طقوش يقول الدكتور حمود: " الجماعة لها وجودها السّياسي في معظم المناطق اللبنانية ولها حضورها الشعبي، وتتخذ قرارتها في أطرها التنظيمية وفق نظام مبني على الشورى والعمل المؤسساتي. وانتخاب الأمين العام جزء من هذا النظام المبنيّ على تداول السّلطة واستمرارها". "
وتابع: "حريصون على بناء أفضل العلاقات مع كافة الأحزاب اللبنانية لتحقيق المصلحة الوطنية العليا وتفعيل مبدء المواطنة بعيداً عن التبعية ومفهوم المحاصصة، واحترام الدستور والتقيد بالنظام ورفض التمييز بين المواطنين على اساس المذهب او الحزب او المنطقة، وحق جميع اللبنانيين في مقاومة العدو الصهيوني".
وأضاف: "الجماعة مُمثَّلة بنائب واحد في البرلمان، إلّا أنّها تسعى لإنشاء إطار تشاوري مع عدد من النواب المستقلين للاتفاق على مجموعة عناوين وطنية. وهي تدعو الى الشّراكة في قيادة الساحة السنية الى جانب جميع المكونات الفاعلة فيها. هذا ما دعت اليه بمبادرة قدمتها لمفتي الجمهورية اللبنانية بعد حالة الضعف التي تعيشها الساحة السنية ".
محاربة العدو الإسرائيلي
عن إنكفاء الجماعة عن مقاومة الاحتلال الاسرائيليّ، اعتبر الدكتور حمود أنّ الجماعة أطلقت شرارة المقاومة في وجه الاحتلال وقدمت الشهداء والجرحى بعيداً عن كل المعادلات والحسابات السّياسية الداخليّة والخارجيّة. وهي لازالت تمتلك جناحاً مقاوماً "قوات الفجر" على أهبّة الاستعداد للدّفاع عن الوطن في وجه أي اعتداء إسرائيليّ، خصوصاً أنّ جزءًا من أراضينا لا يزالُ محتلاً.
وتابع: "أمّا الحديث عن انعطافة وغير ذلك من التحليلات التي صدرت في بعض الصّحف هي محض خيال. الجماعة مارست المقاومة في وجه الاحتلال قبل وجود حزب الله ومعه وهي ستبقى به وبدونه".
وتناوَل الدّكتور حمّود علاقة الجماعة مع الأحزاب السنية في لبنان قائلاً: "علاقة الجماعة بأغلب الاحزاب والجمعيات الاسلامية في لبنان جيدة وهناك لقاء يجمع أغلبيتها للتّشاور بالأوضاع الإسلامية وأوضاع الطّائفة والعمل المُشترك".
"زوبعة" اللاجئين السوريين
تطرّق الحديث مع الدّكتور بسّام حمّود عن الأصوات التي طالبت بعودة اللاجئين السوريين، حيث قال: "مع بداية الثورة السورية وتنكيل النظام وحلفائه بحق الشعب السوري، تدفّقت أعداد كبيرة من الأخوة السوريين الى لبنان هرباً من البطش، واستقبلناهم وأغثناهم وفق ما تقتضيه ثوابتنا الاسلامية والإنسانيّة ولم نُفرّق بين لاجيء وآخر".
وبعد ما سمّاه "التآمر الدوليّ على الشعب السوريّ ودعم النّظام وتثبيته" ختَم الدّكتور حمّود حديثه لـ"جسور" بالقول: "ينبغي أن نميّز بين نوعين من اللاجئين:
الأوّل وهم من مؤيدي النّظام الذينَ تفاخروا بانتخاب "المجرم" مرة جديدة ونراهم يذهبون إلى سوريا وقت يشاؤون ويعودون طمعاً فقط بمساعدات الأمم المتحدة. هؤلاء تسقط عنهم صفة اللجوء وعليهم العودة إلى أحضان نظامهم.
أمّا النّوع الثّاني هو من كان معروفاً بتأيديه للثورة وتُشكل عودته خطراً على حياته ومستقبله، فهذا ينبغي أن لا يُرحَّل وأن تُؤَمَّن مستلزمات إقامته كلاجىء وفق ما تنص عليه المعاهدات الدولية. وله علينا حق الحماية والاحتضان، وعليه هو بالتالي احترام القوانين والأنظمة اللبنانية.