ليلة رأس السنة تترقّبها شعوب العالم أجمع بشغف لافتتاح الصفحة الأول من العام الجديد كلّ على طريقته، منهم من يختار إحياءها بصخب الحفلات وآخرون يفضلون هدوء المنزل وأمانه، أما في لبنان فمادة مشتركة باتت تجمع معظم اللبنانيين خلال هذه الليلة الاستثنائية تتمثل بتوقعات سنوية للأحداث، مبنية على رؤى وتنجيم، يتسمّر من يمضي السهرة في المنزل أمام شاشة التلفاز بانتظارها ويعود إليها في وقت لاحق من فاتته مشاهدها مباشرة.
تداخُل الواقع بعلم الغيب ليس أمرًا مستجدًا فقد برزت ظاهرة لجوء الشعوب إلى العرافين والمنجمين في العديد من الثقافات والحضارات على مرّ العصور لتعكس من جهة توق البشر إلى فهم المستقبل والتعامل مع التحديات والمصاعب التي يواجهونها في حياتهم، فيما اعتمدته من جهة ثانية بعض الثقافات كجزء من التقاليد الاجتماعية والطقوس الدينية الخاصة بها.
وبتّجه بعض الأشخاص في حالات أخرى، إلى العرافة والتنجيم للتسلية أو لإشباع فضولهم بشكل مرح ويعتبرونها فرصة لاستكشاف الجوانب الروحية والغامضة للحياة.
مع تطوّر الزمن، تغيّرت أساليب التنبؤ والعرافة حيث تمّ استبدال بعض الطقوس التقليدية بالأساليب الحديثة للتنبؤ بالمستقبل، ومن بينها الاستناد إلى العلوم الفلكية أو الاعتماد على التكنولوجيا الحديثة على سبيل المثال لا الحصر.
ولم ينسَ المهتمون بالتنجيم العودة إلى تنبؤات نوستراداموس لمعرفة مدى تطابقها مع الأحداث في زمنهم. في لبنان، برزت أكثر من شخصية عرضت قدراتها في قراءة المستقبل بالاعتماد على عقلها الباطني على مثال نوستراداموس وتحوّلت إطلالاتها على الشاشات إلى موعد ثابت ينتظره الملايين.
أهمية الحدس في التكوين البشري
لم تنفِ الاختصاصية النفسية ربى بشارة أن الحدس الذي تحدث عنه يونغ يشكّل جزءاً أساسياً من شخصية الإنسان ويرتبط ارتباطاً وثيقاً بأجزاء ثلاثة أخرى "الفكرة والشعور والحس لكنه، أي الحدس، يأتي على رأس الهرم" موضحة أن الإنسان في تكوينه "يحتاج إلى نوع من التخاطر مع الطبيعة".
وأوضحت بشارة أن قدرة العقل الباطني على التوقع مُثبتة علمية، حيث يُمكنه توقع تصرفات الآخرين نتيجةً قراءته للأفكار التي يتلقاها، مضيفة أن الأمر لا يقتصر على الأفراد، بل قد تمتد إلى مجالات أوسع ليشمل مختلف الجوانب الحياتية، مشدّدة في المقابل على استخدام كلمة "توقع" بدلاً من "تنبؤ".
أسباب اللجوء إلى التوقعات
من جهة أخرى، ترى بشارة أن ترقب اللبنانيين لتوقعات السنة منذ بدايتها بات "أولاً عادة شبه راسخة بين اللبنانيين تحولت إلى طقوس في بعض الأحيان" لكنها تعتبر أن أسباب عديدة خلف الظاهرة أبرزها "البحث عن إجابات تمنح اللبنانيين أملًا في ظل ما يعانون منه من أزمات وصعوبات منذ سنوات".
وكشفت في المقابل عن وجود فئة من اللبنانيين "لا ترى فائدة في الاستماع إلى هذه التوقعات لاعتمادها على جهودها الشخصية وعملها الجاد لتحقيق أهدافها عوضاً من الاعتماد الكامل على التنبؤات".
متى تصبح أزمة
وإذ تؤكد بشارة أن لا مشكلة في الاستماع إلى توقعات رأس السنة تشدّد على أهمية دور الفرد في عملية نجاحه الشخصي وتحقيق أهدافه "بفضل عزيمته ومثابرته".
وتشير أن الظاهرة تتحوّل إلى أزمة عندما "يتمسك بعض الأشخاص بالأمور السلبية في بعض التوقعات وتتملكهم حالة من الرعب بانتظار موعد حدوثها".
في الختام تدعو بشارة جميع اللبنانيين إلى عدم التمسك بالتوقعات، وتحثهم على اعتماد أسلوب حياة صحي وتجنّب الغرق في الأفكار السلبية مع تأكيدها أن "من يتبني هذا النهج ينجح في تجاوز التوقعات السلبية وتحقيق نتائج إيجابية، كما يمكنه تحديد مساره الخاص في الحياة على الرغم من الظروف المحيطة به".
وإلى جانب نجوم الشاشات في التوقعات، لا يزال للتبصير في فنجان القهوة نجماته خلال الجلسات اليومية بين الأصدقاء والجيران.