"المُرتزِق"هوَ شخصٌ جَرى تجنيدهُ محلياً أو خارجياً للقتَالِ في نِزاعٍ مُسلّح لِيُشارك بالأعمال العدائيّة مُقابل الحصُول على تعويضٍ ماليّ أو تحقيق مكاسِبَ شخصيّة..وذلكَ كمَا يُعرّفهُ "القانون الدوليّ الإنسانيّ".
وبعدَ أكثَر من عقدٍ على صراع القوِى المحليّة "الإقليميّة والدوليّة" على الأرضِ السوريّة، كيفَ جَذبَت روسيا حليفَة النظام السوريّ المُقاتليِن المحلّيّين المُرتزقة في حروبِها خارجَ البلاد؟ وعلى الطرَف الآخر ، هل استثمرَت تركيّا حليفَة المُعارضة السوريّة المقاِتلين السوريّين كذلِك في صراعِها مع روسيَا؟
كيفَ بدأَت القصّة وماهيَ الأسباب؟
بدأَ موضوع تجنيد مُرتزقَة من سوريا منذُ عام 2016 ، حيثُ قامَت روسيَا وتركيّا "كلّ منهُما يدَعم طرف مُناقِض للآخَر " بتسهِيل انضمَام حوالي عشرينَ ألف مُقاتِل أجنبيّ أغلبُهم سوريّين إلى جانِب طرفِي النزَاع هُناك، عبرَ شركات أمنيّة وعسكريّة مُرتبطَة بهَم..جاءَ ذلِك وفقَ تقريرٍ نُشرَ مؤخراً بعنوان "جيوش الظلّ" أصدرهُ المركز السوريّ للإعلام وحريّة التعبير.
وتدعَم روسيا قوّات حفتَر في ليبيا، بمقابِل وقوف تركيّا مع قوّات "الوفاق الوطنّي" المُتحاربَة معهَا، ويقول أحد المُقاتلِين الّذين حاربوا هُناك بإشراف قوّات روسيّة "عامر، إسم مُستعار" أنّه كانَ مقاتلاَ مع الدفاع الوطنيّ بحمص منذُ 2012، حيثُ قاتلَ بعدّة جبهات في مدينَة حمص وريفِها، كذلَك في ريفيّ اللاذقيّة وحماه بمعاركَ عديدَة إلى جانب قوّات الجيش السوريّ التابع للنظام وبمساندَة ميليشيَات إيرانيّة ولبنانيّة تابعة للأخيرة.
ويقول عامر لـ"جُسور" حولَ بدايّة أسبابِ انضمامِه مع المُرتزقَة التابعِين لروسيا إنه ومنذُ "انضمامِي للدفاع الوطنيّ دخلتُ المعارِك بدافِع وطنيّ لكِي أدافِع عن مدينتِي وبلدِي، لكِن ما رأيتهُ من سرِقة وفسَاد من القيادَات المسؤولة عنّا وزجّنا نحنُ أهل البلّد للمَوت المجانيّ دونَ مقابِل ماديّ مُجزي من جهة، وتعظيم دَور الأجانِب الإعلاميّ فقط مثِل مقاتلِين حزب الله وإيرانيّين من جهة أُخرَى، جعَلني أغيّر وجهَة نظرِي حولَ جدوَى القتال دونَ مردُود"
ويتابع: "يُذكر، فمثلاً كنّا ندخل أنا وأصدقائِي إلى مناطِق خطِرة عسكرياً مثل حمص القديمَة وحقِل شاعر بريف المدينة، وفقدتُ أعزّهم هٌناك وذلكَ دونَ تعويضٍ ماديّ لعائلاتِهم بحجّة أنّنا ندافع عن الوطن وذلك يكفِي! بالمقابِل كانَ السارقُون يأخذُون المناصِب القياديّة ويتصدّرون الواجِهة أمّا الفقراء نحنُ نموتُ ونتلقّى الإصابَات الّتي عطبّت أغلبَنا دونَ علاجِ أو تعويض! وفوقَ ذلِك يضعونَا في مقدّمة القوّات العسكرية بالمعركة ونسيطِر عليهَا بحِرفيّة وقتال شوارع صعب، ثمّ تأتِي قوات إيرانيّة وحزب الله ويأخذون المواقِع بسهولة ويتحدّث الإعلام عن بطولاتِهم الوهميّة برأيي، مع سكوت وموافقَة قياداتنا العسكريّة، ونتلقّى رواتِب باهظة لا تتجازو حينَها ال 50 ألف ليرة سوريّة –حوالِي 300 دولار- وكلّ تلكَ الأمور جعلتِني أتوقّف عن القتَال معهم بعدَ إصابتِي برِجلي وعدم علاجِي"...!
ليبيا ملاذُ المُقاتِلين المُتحاربِين!
من جهةٍ ثانيَة يقول محمود، وهو مُقاتِل مع الجيش الحرّ سابقاً والجيش الوطنّي حاليًا، إنّه كذلِك قاتلَ في معارِك بمناطِق عديدة في سوريا بحماه وحلب وإدلب، ويشترِك بوجهَة نظَر عامر حيثُ يؤكّد لـ"جسور " أنّ بعض قيادات المعارضة المسلّحة "تسرِق جهود المُقاتلين وترميِهم إلى الموت المجانيّ، فقرّر القتال تحتَ إشراف قوّات تركيّة درّبتهم بعد 2015 للقتال في مناطقَ عديدة.
مضيفاً : "في حِين رأينَا كيف بعض قيادتنا باعَت مناطِق لقوّات النظام وضحّت بالكثير منّا بالمعارِك، قرّرتُ العمل كُمقتال مُرتزِق ولاأخجلُ من هذه الكلمَة! فحينَ لا تتلقّى حقّك المعنويّ والماديّ في بلدك، طبيعي أن تذهَب مع تركيا الحليفَة عبرَ سماسِرة سوريّين مرتبطين بهم مقابِل رواتِب ممتازة بالنسبة لَنا تتراوح بين 1500 و2000 دولار شهريًا، بحسب المهَام المنوطَة بِنا، وهكذَا سافرتُ إلى ليبيا وبعدهَا إلى كاراباخ وغيرها من المناطق برفقَة مُشرفين أتراك عسكريين، وذلكَ أفضل من الإهمَال الّذي حصلَ مع معظم أصدقائي وعائلاتِهم للأسف، لكِن على الرّغم من ذلك عادَ الكثير من المُقاتلين بسبب صعوبة المناخ بليبيا سواءً الحرّ بالصيف أو البّرد بالشتاء".
ومع أنّ عامِر ومحمود على طرفيّ نقِيضٍ من الصِراع إلّا أنهم يبدو يتشاركُون قناعتِهم أنّ القتال مع شركات أجنبيّة أفضل من المحليّة، فيقول عامر إنه وبعدَ دُخول روسيا على خطّ المعارك بعام 2015، "ضمّت الأخيرة قوّات محليّة برواتِب جيّدة تتراوح بين 500 دولار وأكثر بحسَب المهمّة، إضافةً إلى تعويض أهل القتلَى، هُنا تحديداً تعرّفت على أحد مقاتلي فاغنز حينَ قاتلنَا معاً بريف تدمُر وانضممتُ لمجموعتِه، واستطعنَا السيطرة على حقول الغاز بالمنطقة وتبيث نُقاطنا العسكريّة دون تدخّل قوّات إيرانيّة وأتباعِهم، وذلكَ ما يجعَل المَقاتِل برأيي يشعُر باهميّته على الأقلّ.. ولذلِك قرّرت الإنضمام لهُم والسفَر إلى ليبيا عبرَ مطار حميميم للقتال إلى جانب قوّات حفتَر إضافةً إلى حراسِة منشآت روسيّة هُناك برواتِب تُناسب ما نقدّمه مه زملائِي المُقاتلِين من تضحيَة ودماء، حيث كنّا نتقاضَى مابين الألف والألفين دولار شهرياً بحسَب المركَز والمهمّة الموكَلة، بعقَود ثلاثَة أشهر أو ستّة أو سنَة، وتعويض عائلي يصل إلى 15 ألف دولار وأحياناً عشرين ألف.. وصحيح أنّ العديد منّا ماتَ أو أُسرَ هُناك وباتَ مصيرهُ مجهولاً، إلّا أنّ "الكِحل الروسيّ أفضل العمَى في بلدِي للأسف".
المُرتزقة في الحَرب الروسيّة الأوكرانيّة
مع بداية الحرب الروسيّة على أوكرانيا في شباط عام 2022، أعلَن الكرملين سماحهُ لمقاتِلين سوريّين وعرَب وأجانب للقتَال إلى جاِنب الجيش الروسيّ.
وأشارَت منظّمة "سوريّون من أجلِ الحقيقَة والعدالّة" أنّ كلّ سوريّ يقاتِل مع الرّوس يتقاضَى مبلغ 1400 دولار أميركيّ، يتمّ دفعُها في مكانَين مُختِلفَين وتوزّع على 800 دولار تسلّم لعائلاتهم في سوريا، و600 دولار تُسلّم لهم في روسيا.
وكان الموقع الإلكترونيّ على وسائل التواصل "السويداء 24" أكّد في عدّة تقارِير على مُشاركة مُقاتلين من السويداء وريفها ومن مُختلف المناطق السوريّة في الحَرب بجانب القوّات الروسيّة، موضحًا أنّ السفر إلى روسيا كان عبرَ "مُستقطِب" معروف، وطُلب من كلّ مسافر سلفاَ دفع مبلغ يتراوح بين ثلاثة واربعة ملايين ليرة سورية حوالي 250 دولار.
مضيفاً أن المسافرين وقّعوا عقوداً باللغة الروسيّة مع حصول بعض المُسافرين على جوازات سَفر روسية، عبرَ سلطات الإقليم الذي وصلوا له.
وحولَ صحّة تلكَ المعلومات يقول أحد المقاتِلين من السويداء لِـ"جسور" –رفضَ ذكر إسمه أو عمرِه لأسبابٍ أمنيّة- والذّي قاتَل إلى جانِب قوات الجيش السوريّ سابقاً بعدّة مناطق، إنّ المعلومات الواردَة صحيحَة وأنّ أخوهُ وعدَد من أصدقائِه ذهبوا إلى روسيا وفقَ تلكَ المغُريات، والسبَب برأيه واقع الفقر الصعب للشباب السوريّ، ليسَ فقط في منطقتِه بل في الساحل السوريّ وحمص ودمشق ودير الزور وأغلب المناطِق الّتي تحتَ سُلطَة النظام السوريّ، مضيفاً أنّه لم يُسافر معهم بسبب البقاء مع عائلِته وأهلِه في السويداء الّتي ما زالت تعيش انتفاضَة شعبيّة ضدّ النظام وحلفائِه الإيرانيّين، وبأنّه في أيّ وقت ربّما سيحتاج أهل المنطقَة إلى مُقاتلين للدفاع عنهم.. مشيراً أنّ السبب وراءَ اندفاع الشباب المُقاتل نحوَ روسيا لأنها لم تتعامَل معهم عموماً بالطريقة الّتي فعلهَا النظام وإيران، وذلكَ من حيثُ التقدير الماديّ للمُقاتل أو عبرَ احترام القيادات الروحيّة والدينيّة في السويداء وعدم الدخول بتجارة المخدّرات الّتي أضرّت بشباب البلد كمَا تفعَل بعض القوى الامنيّة للنظام بالتعاون مع إيران وذيولِها، وذلكَ بحسبِب قولِه.
على المَلقب الآخر يؤّكد المُقاتِل محمود أنّ مقاتلين مُرتزقة يشاركون مع القوَات الأوكرانيّة ضدّ روسيا، وذلكَ تحت إشراف وتدريب تركيّا بأجور ماديّة مُغريَة، وذلك ما أكدّته العديد من المصادر الإعلاميّة، وذلكَ دون تأكيد من الجانِب الرسميّ التركيّ.
والجدير بالذِكر أن المُرتزقة السوريّين يشاركون بالقتال في مناطق مُختلفة بالصراعات بين تركيّا وروسيا"حروب الوكالة"، مثل إقليم كاراباخ المُتنازع عليه بين أرمينيا وأذربيجان، حيثُ يجنّد الجيش الوطني السوري المُعارَض المدعوم تُركياً، المقاتلين باتجاه أذربيجان وذلكَ عبرَ سماسرة بعض قادة الفصائل.
بالمقابِل أرسلَت روسيا عبر الشركَة الأمنيّة المعروفة فاغنر العديد من المُرتزقة للقتال مَع القوّات الأرمينيّة، أغلبهُم من المقاتلين الّذين حاربوا إلى جانبهم في ليبيا وإفريقيا وغيرها، ومُعظمُهم من الفيلق الخامس والفرقة 25 "قوات النّمر" المدعومين مباشرةً من الرّوس.
ووفقاً لكلّ تلكَ المعطيات الّتي باتَت معروفة في الأوساط الرسميّة والإعلاميّة، يبدو أنّ روسيا وتركيّا بعدَ انتهاء مُعظم أعمالهم الحربيّة ضدّ بعضهم داخل سوريا وبعدها توافقهُم على رسم خطوط وقف إطلاق النار وتقاسُم النفوذ، اتجّهوا للاستثمار في المُرتزقة السورييّن للحرب ضدّ بعضهم بسلاح المُقاتِل السوريّ ، حيثُ تُشير الحقاِئق إلى أنّ التضحيَة بدماءِ السوريّين في مُعظم الحروب والصراعات الّتي يشهدها العالم، أفضَل من التضحيَة بجنود القوّات الروسيّة-التركيّة المُتحاربَة، وربّما أكثرُ "ربحاً"وأقلَ "خسارةً" لهم على كافّة الأصعدة.