تدفع المرأة في العالم العربي ثمن موجة عنف مجتمع يعتبرها إحدى أكثر حلقاته ضعفًا. ورغم جميع محاولات التصدي لها، تواصل ظاهرة التحرش الجنسي، التي تعتبر من أبشع أشكال هذا العنف، انتشارها في المجتمعات العربية.
في مصر، ضجّت المواقع الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي، بخبر إبعاد معلم في إحدى المدارس الابتدائية المشتركة في أسيوط، جنوب مصر، ومنعه من التدريس مجدداً وإحالته للمحاكمة، بعد ثبوت تورطه بالتحرش الجنسي بعدد من تلميذات المرحلة الابتدائية في المدرسة، بلغ عددهن عشر تلميذات بالصفوف الثالثة والرابعة والخامسة الابتدائية، تتراوح أعمارهن بين "9 و11" عامًا.
وقال الأخصائيّ الاجتماعي في المدرسة عندما أدلى بشهادته أمام النيابة العامة، إنه في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، حَضَرَ إليه أحد المدرّسين بالمدرسة وأبلغه بأنه لاحظ إحدى التلميذات بالصف الخامس الابتدائي قد انتابتها حالة من البكاء الشديد، وبسؤالها عن سبب ذلك، أخبرته أن المدرس المتهم قد قام ببعض الممارسات غير الأخلاقية معها.
وذكر الأخصائي أن التلميذة اعترفت بأن المعلم المتهم سبق له ارتكاب ذات الفعل معها في العام الدراسي الماضي، إلا أنها أحجمت عن ذكر الواقعة خوفا من تَبِعات الإبلاغ.
واعترفت التلميذة الصغيرة بأن المتهم قد قام بالتحرش الجسدي بها أكثر من مرة خلال العام الدراسي الحالي والسابق، وأنها حينما كانت تحجم عن تلبية ندائه كان يقوم بتهديدها بالضرب والفصل من المدرسة، مما زَرَعَ في نفسها الخوف من الإبلاغ عنه، إلا أنه حينما استمر تكرار هذا الفعل عدة مرات خلال العام الحالي قررت أن تتحدث.
وفوجئت إدارة المدرسة بعدد آخر من التلميذات يحضرن لمكتب الأخصائي بالمدرسة ويؤكدن قيامه بالتحرش الجسدي والجنسي بهن أكثر من مرة، وعلى مدار فترات مختلفة خلال العامين الدراسيين الماضي والحالي.
"عنف وتحرّش"
في هذا الإطار، اعتبرت الأخصائية النفسية ربى بشارة، أنه "كلما زادت الأزمات أو الحروب في العالم، زاد العنف والتحرش والاعتداء، حتى في الدول التي تُعتبر متقدمة والقيادية في ملفات حقوق الإنسان، التي سقطت مفاهيمها بنظر أشخاص كُثر فقدوا الأمان بعد الأحداث المستجدة".
وعلّقت بشارة على حادثة مدرسة أسيوط، في حديث لـ"جسور"، بالقول: "المعتدي درس أرضه جيّدًا قبل وأثناء ممارساته، وكان واثقًا بأنه لن يُلقى القبض عليه لمدى طويل. لم تبلغ الفتيات عنه فور تحرشه بهنّ، لأن نصطدم كثيرًا بثقافة العيب والحرام والمسلمات، وتقديس العادات والتقاليد رغم التطور الفكري الكبير الذي وصل إليه الإنسان، إضافة إلى سوء فهم الأديان من قبل البعض، ونقل الإحساس بالعار والشعور بالذنب بسبب ذلك إلى الفتيات اللواتي تعرضن للتحرّش".
وتابعت: "الضحية كانت بموقع ضعف، ولم تتمكن من حماية نفسها لأسباب عديدة أبرزها الخوف، والشعور بأنها الحلقة الأضعف والأقل قيمة، خصوصًا وان المعتدي مستفيد من موقع السلطة الأعلى الذي يمثله، ومن العلاقة الهرمية التي تربطه بتلاميذه".
وأضافت: "الحديث عن البيدوفيليا في هذه الحالة، أمر أساسي. يقول علم النفس التحليلي إن مريض البيدوفيليا (الإنجذاب الجنسي للأطفال)، هو شخص فقد الأمان وهو صغير، وربما تعرّض لتحرش جنسي بدوره، أو فقد أمه وعاطفتها، ما أدّى إلى نشأة فراغ كبير جدًّا لتتكوّن "الأنا" بعاطفة مفقودة، ما يفسّر لعبه أدوارًا عاطفية مع الأولاد، لكن بطريقة مرضية وخاطئة وغير صحية، وتقع في إطار الجريمة. ويجب على من ارتكبها أن يُعاقب بطريقة ممكن أن تعيد بناء مجتمع سليم".
وختمت بالقول: "من واجب الأخصائيين النفسيين والمعنيين بالعلوم النفسية، أن ينشروا الوعي بشكل أكبر بين المجتمعات العربية".
"حملات توعية"
ومنذ شهر، ألقت القوى الأمنية في لبنان القبض على سائق يقوم بالتّجوّل في محيط المدارس والجامعات ويستهدف الطّالبات، فيقوم بالتّحرّش بهنّ بعد أن يصعدن على متن سيارته المخصّصة لنقل الركّاب.
وبالتّحقيق معه، اعترف بما نُسِبَ إليه لجهة قيامه بالتحرّش بالفتيات وبخاصةٍ طالبات المدارس والجامعات بواسطة "التاكسي" التي يستخدمها في عملياته ضمن مناطق بيروت والضّاحية، وأنه يزوّد رقم هاتفه إلى الضحايا منتحلاً أسماء وهمية، وغالباً كان يستخدم اسم فادي.
وفي العراق، أكدت مديرية شرطة الكرخ في بغداد، إلقاء القبض على مواطن أطلق النار على شخص، بعد محاولته التحرش بأحد أفراد عائلته ليلة رأس السنة.
وقال إعلام شرطة الكرخ في بيان ورد لشبكة "الساعة"، إن "مديرية شرطة الكرخ دونت أقوال المصابين في المستشفى بعد تعرضهم لإطلاق نار ولكشف ملابسات الحادث والتوصل للجناة، الذين أفادوا بدايةً بأنهم تعرضوا إلى إطلاق نار من مجهولين".
وتابع أن "أحد المصابين اعترف بأنه قام بإطلاق النار من مسدسه الشخصي باتجاه الطرف الثاني بعد محاولته التحرش بأحد أفراد عائلته خلال الاحتفال برأس السنة".
الاعتداء الجنسي على الأطفال هو من المشاكل التي تتسبب في آثار مدمرة للطفل على المستويين النفسي والعضوي، وقد تلازم الطفل طيلة حياته، وعلى الدول أن تلعب دورًا في تنظيم حملات توعية بهذا الصدد، والأهالي يجب أن يراقبوا أطفال ويفهمونهم، ليستطيعوا حمايتهم.