يبدو أن ليالي خرق الدستور ومعها خرق السيادة الوطنية باتت تمر مرور الكرام على الطبقة السياسية التي ارتضى بعضها أن تكون تابعة وأداة لهذا الطرف الاقليمي أو ذاك الدولي!
أربيل، التي دوماً ما تتعرض إلى ضربات الفصائل المسلحة وإلى ضربات إيرانية أو تركية، تعرضت قبل أيام إلى ضربة صاروخية نوعية بصواريخ بالستية إيرانية استهدفت مناطق سكنية قُتل على إثرها العديد من المدنيين بينهم أطفال ونساء.
على الفور، تبنى الحرس الثوري الإيراني العملية معلناً عن استهداف إيران مقرات للموساد الإسرائيلي في العملية، في عمل عسكري مشابه لما جرى قبل عامين عندما تم استهداف أربيل أيضا بصواريخ قيل إنها استهدفت مواقع مخابراتية اسرائيلية، غير أن الفارق أن تلك الضربة لم تسفر عن مقتل مدنيين عكس هذه الضربة التي انطلقت من مدينة عبادان الإيرانية بالقرب من حدود محافظة البصرة أقصى جنوب العراق.
رسائل إيرانية لأميركا!
ويرى المحلل السياسي الدكتور مجاشع التميمي في حديث لـ" جسور" أن استهداف أربيل كان بمثابة رسائل لأميركا وإسرائيل وطهران أرادت للعراق أن يكون صندوق بريد لإيصالها.
أول هذه الرسائل قال التميمي: أن إيران استهدفت اربيل العراقية وسوريا من جنوبها عبر صواريخ بالستية بعيدة المدى مرت عبر الأراضي العراقية رغم إمكانية استهدافها من محافظات كردستان الايرانية، لكن رغبت طهران أن تؤكد قدرتها على ضرب مناطق بعيدة ومنها إسرائيل والمصالح الأميركية، وإلا لماذا لم يتم ضرب جماعات داعش في سوريا من خلال القواعد الإيرانية داخل سوريا؟"
أما الرسالة الثانية فهي أن إيران تشعر بحرج كبير نتيجة عدم تقديم الإسناد والدعم للمقاومين الفلسطينيين بشكل مباشر، وإظهار قوتها منذ اندلاع الحرب في غزة قبل أكثر من ثلاثة أشهر، لأن طهران في السابق كانت تدعم غزة عبر وكلائها في المنطقة".
والرسالة الثالثة بحسب التميمي هي للداخل الإيراني في محاولة لإِبْراز القوة العسكرية، لأن طهران تعرضت لهجمات كبيرة سيبرانية واغتيالات وتفجيرات إرهابية كبيرة كان آخرها تفجير كرمان، لذا تحاول طهران رفع الحالة المعنوية للشعب الإيراني ".
تبريرات عراقية للضربة الإيرانية تثير الجدل!
العراق الذي يضم في طبقته السياسية أطرافاً بعضها تابع بشكلٍ واضح لإيران وآخرين لواشنطن وغيرها، يحاول دائماً الهروب الى الأمام من باب التبريرات إن للضربات الأميركية ضد مواقع الفصائل والحشد الشعبي في العراق أو للضربة الإيرانية أيضاً
حيث تعمد الإعلام الحزبي العراقي الموالي لإيران التبرير عبر إعطاء الأحقية لها بهذه الضربة، رغم أن الحكومة العراقية الحالية التابعة لهذه القوى السياسية، قد نفت بشكل قاطع أن يكون الدار الذي تم استهدافه هو مقر موساد، لا بل أن مستشار الامن القومي قاسم الأعرجي (رئيس اللجنة التحقيقية الخاصة بالتحقيق بالضربة الإيرانية)، قد تعرض لحملة إعلامية تسقيطية به، لأنه نفى أن يكون المكان المستهدف كما ادعى الحرس الثوري الإيراني أنه مقر للموساد.
في ذات الوقت، وعلى عكس الباكستان التي قامت بطرد السفير الإيراني من إسلام آباد على خلفية القصف الإيراني على باكستان بدعوى ضرب مواقع ارهابية رداً على عملية كرمان التي قتل فيها عشرات المدنيين الإيرانيين أثناء احياء ذكرى مقتل قاسم سليماني، فإن العراق اكتفى بتصريحات اعتبر أن الضربة الإيرانية هي عدوان على العراق و يجري حاليا الحديث عن شكوى عراقية ضد إيران في مجلس الأمن الدولي، على غرار شكوى العراق على سوريا بعد الهجمات الإنتحارية في عام 2009 والتي اتهمت حكومة نوري المالكي حينها نظام بشار الأسد بتدبيرها، غير أن النتيجة كانت أن المالكي أصبح حليفاً للأسد إبان الثورة السورية بعد عامين فقط، وكانت الميليشيات العراقية عاملاً مساعداً للأسد للقضاء على الثورة السورية كما رأى المراقبون ذلك في حينها !
الأمر المستغرب هو أن رئيس الوزراء العراقي ورئيس حكومة إقليم كردستان، قد استمرّا بزيارتهما لسويسرا لحضور مؤتمر دافوس رغم الاعتداء الإيراني، ولم يقطعا هذه الزيارة التي بالتأكيد هي ليست أهم من انتهاك السيادة العراقية، إلا إن كان انتهاك هذه السيادة أمراً معتاداً لا يستوجب قطع زيارة لسويسرا.
كذلك لم يصدر أي تصريح أو موقف سياسي من القادة السياسيين أمثال المالكي والخزعلي والعامري والحكيم، فضلاً عن عدم صدور أي موقف من قادة حزب الاتحاد الوطني الكردستاني في السليمانية وهو الشريك الأساسي لحكومة إقليم كردستان العراق، وكأن الخلاف بين الحزبيين الكرديين ينجر حتى الى عدم استنكار أي عدوان خارجي يقع على أربيل أو السليمانية!