ضمنَ أجواء الأوضاع الصعبَة داخل سوريا وبمناطقها المُختلفة، تنتشر ظواهر سلبيّة تؤثّر على بُنية المجتمع السوريّ كانتشار المخدّارت خصوصاً بين الأطفال والمراهقين.
هل ظاهرة إدمان الأطفال في سوريا على المخدرات جديدة؟ أم ارتفعت نسبتها في السنوات الأخيرة؟ ماهي أنواع المُخدرات المنتشرة بمناطق النظام والمعارضة وماهو مصدرها؟ كيفَ جعلت إيران وميليشياتها التابعة لها أطفال دير الزور "تجارب" للمخدّرات التي تنشرها بحسب مصادر إعلامية؟
تعاطِي البنزين والـ"شعلة" والحبُوب و"الكابتن ماجد"!
لَم تعُد خفيّة ظاهرة إدمان المخدّرات لشريحة واسعة من أطفال سوريا، وتصاعدت تلكَ الظاهرة في الأعوام القليلة الماضيَة بسبب الأوضاع الأمنية والغير مستقرّة في الحرب السوريّة، إضافةً إلى الواقع المعيشيّ والاقتصاديّ الصعب.
وكان إدمان الأطفال في سوريا موجوداً قبل الانتفاضة السوريّة عام 2011 وما تبعها من صراعات، لكِن لم يكن على المخدّرات كما هو الحال اليوم بل كانَ إدماناً على استشناق روائح مواد مثل البنزين و(الشعلة) وهي مادة لاصقة، كذلك على مادة الطلاء.. لكِن كان انتشارها محدوداً مقارنةً مع الإنتشار الكبير لأنواع مخدّرات منّوعة بمناطق سيطرة النظام السوري.
حالات استنشاق البنزين والشعلة تضاعفت كذلك مؤخراً بتلك المناطق، ووفقاً لمصادر إعلاميّة إنّ إدمان تلكَ المواد أدّى إلى عدّة حالات إختناق للأطفال وتسبّب بإعاقة ذهنيّة وانخفاضاً بالذكاء لهم إضافةً إلى أضرار نفسيّة وجسديّة كبيرة وذلك بحسب مصادر طبيّة سوريّة، حيثُ تحتوي المواد على نسبة كبيرة من معدن الرّصاص السّام ومادة "التولوين" الموجودة بمادّة الشعلة.
ويقول أحد المراهقين (16 سنة) في العاصمة دمشق لـ"جُسور" إنّ انتشار تلك المواد بسبب أنّها رخيصَة الثمن مقارنةً بحبوب المخدّرات، ويضيف المراهق الّذي يدرس في إحدى المدارس الثانوية: إن أغلبيّة طلّاب الإعدادية والثانويّة في المدارس العامة بدمشق مدمنين تقريبًا على نوع معيّن من المخدّرات، حتّى انا شخصياً أتعاطى حبوب منوّمة منذُ كنت بالصف الثامن، وحالياً أعمل مع أحد الأصدقاء على بيع حبوب لأصدقائنا الموثوقين وذلكَ كي أساعد عائلتي في مصروف المنزل، فمثلاً راتب أبي وأمّي لا يصل إلى 50 دولارًا شهريًا.. وأنا أحصل من بيع الحبوب على 150 دولار شهرياً وأحيانا أكثر! حيثُ سعر الحبّة الواحدة حوالي الدولار بحسب نوع كلّ واحدة".
ويتابع: "المواد المخدّرة المنتشرة هي الحبوب المنّومة والمخدّرة مثل الـ"ترمادول"، والأنواع الأكثر إنتشاراً هي حبّة "الكابتن ماجد" -كما تُعرف بسوريا- وهي الكبتاغون الأكثر طلباً في السوق وذلك لأنّه ينّشط ويعطي ثقة بالنفس ويسمح للشاب بالعمل ل16 ساعة متواصلة دون تعب بأيّ مهنة، وهو المطلوب لمعظم النّاس في بلدنا أن يعملوا ثلاث مهن أو أكثر في اليوم لكي يستطيعوا تحصيل ثمن الأكل والشرب وبعض الكهرباء في حال وجودها..لذلك يسمّى الكبتاغون"كوكايين الفقراء" وهناك أيضاً مواد ثانية تُباع مثل "الحشيش" لكنّه غير مرغوب من قبل مروّجي المخدرات ذلك لأنه رخيص السعر ولا يدخنّه إلا الفقراء و الدراويش..
فمثلاً لو احتاج شاب حبّة حبتاغون يومياً فقط سيدفع شهرياً 30 دولار، بينما من يدخّن الحشيشة يشتري ب10 دولار كميّة تكفيه لمدّة شهر، إضافةً إلى أنّ الحشيش هو تدخين و لا يؤدي إلى الإدمان الشديد مثل المواد الكيميائيّة كالكوكايين والهيرويين والحبوب والكريستال ميث الّذي ينتشر بكثرة في الفترة الأخيرة".
وحولَ مصدر تلكَ المخدّرات والحبوب أشارَ المراهق أنّها جهات عديدة، فمنها من يتبع للنظام وأُخرَى محسوبة على إيران ومن يرتبط بها من ميليشيات عراقية ولبنانية، مضيفاً أنّ طريقة الترويج أصبحت علنيّة تقريباً ويكفي أن تكون تابعاً لأحد الأشخاص "الواصلين" بتجارة المخدّرات حتّى تكون محمياً من الشرطة أو غيرها، كما يؤكد على أنّه شخصياً لا يتواصل معهم ومهمّته البيع فقط، و صديقه وشريكه في البيع الذي يحصل على البضاعة من مصدرهِ وهوَ أحد أقربائه الذّي يعمل مع إيران بطريقة ما.
تصاعد إدمان الأطفال بمختلف المناطق السوريّة
تداولت في السنوات القليلة الماضيَة مصادر إعلاميّة عديدة موضوع انتشار وإدمان المخدّرات بين أطفال سوريا بمناطق مختلفة، فسواءً ضمن مناطق النظام او المعارضة وغيرها تتصاعد نسبة الأطفال.
وكان مدير مشفى ابن رشد للأمراض النفسية في دمشق، غاندي فرح، قد صرّح في حديث بوقتِ سابق العام الماضي لجريدة البعث التابعة للنظام، أنّ ازدياد حالات الإدمان بمختلف أشكاله بين معظم الفئات العمرية في مناطق سيطرة النظام ذاهبة إلى ازدياد، لا سيما فئة الشباب والمراهقين وعلى مستوى الجنسين، مضيفاً أنّ حالات الإدمان وصلت لأطفال بعمر 14- 15 سنة، على مواد كالحشيش وبعض أصناف الأدوية التي يُساء استخدامها، مع ظهور أصناف جديدة كال"كريستال ميث".. كما أكّد فرح على تزايد حالات الإدمان بين المراهقين حيثُ يراجع الأهالي المستشفى للاستفسار عن بعض الأمور التي باتوا يلاحظونها على أبنائهم، كما يراجع عيادات المستشفى الخارجية ما بين 30 إلى 100 حالة يوميّاً، هم مرضى نفسيون أو يعانون من الإدمان.
في الشمال السوريّ كذلك تكثُر نسبة تعاطي المخدّرات بين الأطفال والمراهقين، ويقول أحمد (15 سنة، اسم مستعار، نازح من حمص ويعيش بإدلب) إنّ "المخدّرات أصبحت شيئاً اعتاد طلّاب المدراس وامراهقين على وجودها بحياتهم، حتّى أصبح من منهم "غير متعاطي" نسبة قليلة..
ويضيف احمد لـ"جسور": "من الطبيعي أن يُدمن معظم الأطفال والنّاس حتّى بسوريا، فما رأيناه من حروب وفقر وغيرها ومازال مستمراً منذُ سنوات لا يتحمّله بشريّ طبيعي! فمن المؤكد أنّ يلجأ الإنسان إلى شيء يخفّف توتّره مثل المخدّرات.. وفي مناطق المعارضة تنتشر في المدراس والمخيمات مخدّرات كالحبوب المهدئة والإكتئاب والكبتاغون والحشيش و"الكريستال ميث".. وجهات عديدة تتاجر وتروّج لها والغريب أنّ بعض تلك المواد مصدرها النظام وإيران المفروض أنّهم أعداء الثورة وفي الوقت نفسه بعض قيادات المعارضة تتواصل معه لاجل تجارة المخدرات! وطبعاً يوجد مروجين محسوبين على تركيا لكن بنسبة أقلّ".
ويؤكد أحمد أنّ حالات إدمان شديدة بين الأطفال انتشرت بمناطق المعارضة، وأدّت بعض تلك الحالات إلى إنتحار أطفال ومراهقين بسبب عدم قدرتهم على مواصلة شراء المواد المخدّرة، مضيفاً لانتشار الأمراض والاضطرابات النفسيّة للعديد منهم بسبب إما الإدمان أو الوضع النفسي بشكل عام.
ويذكر أن (اتفاقية حقوق الطفل لعام 1999) نصّت المادة 33 منها على اتخاذ الدول الأطراف جميع التدابير المناسبة لوقاية الأطفال من الاستخدام "غير المشروع" للمواد المخدّرة والمواد المؤثرة على العقل، ولمنع استخدام الأطفال في إنتاج مثل هذه المواد بطريقة غير مشروعة والاتجار بها.
أطفال دير الزور تجارُب لمخدّرات إيران!
نشرت "الحدث" تقريراً صحفياً كشفَ وفقاً لمصادرها عن تورّط إيران وأتباعها بتجريب مخدّرات على أطفال سوريّين بمحافظة دير الزور شرق البلاد، مشيرةً في الوقت نفسه إلى أنّ مدينة دير الزور شهدت في النصف الثاني من العام الماضي، ظاهرة اختفاء أطفال ومراهقين من الفئات الأكثر فقراً في ظروف غامضة.
وبحسب ما نشرتهُ "الحدث" من تقارير أشارت إلى أن الأطفال المُختفين قد ماتوا نتيجة تجارب للعقاقير المخدرة أجراها عليهم مسؤولون عن إنتاج المخدرات تابعون للحرس الثوري الإيرانيّ، مضيفةً أن جثث الأطفال المتوفّين يخضعون لعملية انتزاع عدد من أعضاء الجسم للاتجار بها، ثم يدفن ما تبقى في مقبرة سرية.
وكشفت المصادر أن هذا النوع من التجارب يتم في مركز طبي مصغر ومجهز لهذا الغرض في المربع الأمني الإيراني في فيلات القصور، ويشرف على ذلك مجموعة من طرف الحرس الثوري الإيراني منهم شخص عراقي وآخر لبناني وذلك برفقة طواقم طبيّة مختصة بالجراحة .
وفي التقرير الّذي أثار جدلاً إعلامياً واسعاً، جاءَ في "الحدث" عبر مصادرها المحليّة داخل دير الزور أن معظم الضحايا الأطفال يعملون في مهنة تدعى "الحوّاج" وهو تسمية محلية لجامع الخردوات والبلاستيك من الأحياء والمناطق الشعبية، وتلكَ المهنة كانت مجرد غطاء لبيع المواد المخدرة، خاصة للأطفال الآخرين وعلى الطرقات الخارجية.
وأكّدت تلكَ المصادر أن هذه المهنة تخضع لتنظيم صارم من قبل الميليشيات الإيرانية والميليشيات المحلية التابعة لها، نظرا لارتباطها بتجارة المخدرات الحيوية لتلك الميليشيات ومصدر دخلها الأساسيّ.