كانت عودة الشركات النفطية الكبرى وتحديدًا الغربية منها إلى العراق الحدث الأكثر أهمية في أعقاب تغيير النظام عام 2003 ذلك بعد غياب سنوات بسبب ظروف الحرب وسياسات النظام السابق.
كان من المفترض أن يكون لهذه العودة بعد هذا الانقطاع، الأثر الأكثر ايجاباً على واقع الطاقة في العراق المتمثلة بالنفط عبر تحسين ظروف استخراجه وزيادة تصديره وتنويع المستوردين المستفيدين منه في مختلف دول العالم إلا أن الأحداث الأمنية من قصف أربيل والقواعد العسكرية الأميركية وتهديد الشركات النفطية الغربية، انعكس سلباً على وجود هذه الشركات والصفعة الكبرى كانت بإعلان شركة شل (الهولندية - البريطانية ومتعددة الجنسيات) عن انسحابها من مشروع إنشاء مصنع بتروكيماويات ضخم في مدينة البصرة، ما دفع بوزير الكهرباء الأسبق لؤي الخطيب لكتابة مقال معللاً أسباب خروج هكذا شركات وتداعياته الاقتصادية وارتهان اقتصاد الطاقة في العراق للشركات الصينية والروسية فقط.
من ضمن ما كتب الخطيب في مقالته، "أن عودة الشركات الأوروبية والأمريكية لم يُحافَظ عليها بصورة صحيحة ولم تُقدّر آمال وطموحات تلك الشركات الاستثمارية لضمان شراكة طويلة الأمد تكون الضامن لأمن الطاقة وتسريع عجلة إعادة الإعمار وديمومة التوسع التجاري والاقتصادي التي تصب بالدعم السياسي للبلاد، فاستمرار التخبط في سياسات الطاقة في العراق وغياب القيادة الواعية دفعت بشركات مثل أكسون موبيل وشيفرون بالانسحاب من مشاريع الحكومة الاتحادية وكذلك استثماراتها في إقليم كردستان العراق، وانسحاب شركة شيل الأنگلوهولندية من ثلاثة مشاريع عملاقة (غرب القرنة-١، مجنون، النبراس) من أصل أربعة مشاريع في حين أن استثماراتها في شركة غاز البصرة متلكئة لقرابة عقد من الزمن حيث رُحّل إنجازها في وقف حرق الغاز حتى عام ٢٠٣٠ هذا في حال استمرت بالعمل في العراق.
وكذلك الحال بالنسبة لانسحاب شركة بي بي البريطانية كمشغل رئيسي لحقل الرميلة والاقتصار بملكية أسهمها في شركة البصرة للطاقة المحدودة بعد إعادة هيكلة حضورها التجاري في العراق. كما لا ننسى فشل شراكة بكتل و هانيويل الأمريكيتين في التوصل إلى اتفاق مع الحكومة العراقية لتسريع تطوير مشاريع الغاز."
وكذلك الحال بالنسبة لانسحاب شركة بي بي البريطانية كمشغل رئيسي لحقل الرميلة واقتصار ملكية أسهمها في شركة البصرة للطاقة المحدودة بعد إعادة هيكلة حضورها التجاري في العراق
ولا ننسى فشل شراكة بكتل وهانيويل الأميركيتين في التوصل إلى اتفاق مع الحكومة العراقية لتسريع تطوير مشاريع الغاز."
لكن خضة شركة شل لها الوقع الأقوى ويبدو أنها وضعت رئيس الحكومة محمد شياع السوداني في ورطة ديبلوماسية قد لا ينجو منها فهو ألغى زيارة الامارات لحضور مؤتمر هناك، وسافر إلى هولندا (الشريكة الأساسية في شركة شل العالمية).
في هذا التطور، دليل واضح على حرج حكومي في ملف انسحاب شركة شل من العراق، في وقت يحاول فيه السوداني قدر المستطاع الحفاظ على العلاقات مع المحيط العربي التي أنجزتها بجدارة الحكومة السابقة، ويرى مراقبون، أن الحكومة الحالية أفرطت في الحفاظ على العلاقة الخاصة التي اكتسبتها الحكومة السابقة مع المحيط العربي والمجتمع الدولي!
وقبل مغادرته الى هولندا، قام السوداني بزيارة قيس الخزعلي زعيم عصائب أهل الحق الشريك الأساسي في الحكومة والعنصر الأهم في معادلة القوى المعروفة بالفصائل المسلحة في العراق، ومن غير المستبعد أن يكون السوداني بحث مع الخزعلي توفير بيئة آمنة لهذه الشركات التي بدأت بالمغادرة وهو ما يسبب المزيد من الفشل لحكومته التي لم تستطع توفير البيئة الآمنة المطلوبة، فضلاً عن الفشل في ملفات أخرى داخلية وخارجية أبرزها ملف الدولار وحماية القواعد العسكرية الأميركية وما تبع ذلك من استهداف أميركي صريح للفصائل المسلحة فضلا عن قادة في الحشد الشعبي!
ومن المعروف أيضا أن الخزعلي من أكثر المتحمسين لنجاح السوداني، فالخزعلي يعتبر أن حكومة السوداني هي حكومة الإطار بلا منازع وأن السوداني فيها مدير عام لها وهو ما قاله صراحةً في أحد خطاباته التلفزيونية، عطفاً على ذلك فإن قيس الخزعلي يعتبر نجاح حكومة السوداني هو نجاح لمشروعه السياسي.
عليه، فزيارة السوداني لهولندا الى حد بعيد هي لإعطاء تطمينات لشركة شل وبوساطات حكومية من هولندا ربما، بأن هذه الشركة وغيرها ستكون بعيدة من الابتزاز الأمني والمالي عبر تأمينها من أحد الأطراف الداخلية المهمة التي تهمها نجاح الحكومة الحالية ألا وهو الخزعلي.
هذه الأحداث والمواقف والصراعات تثبت أن الحكومة الحالية تعيش وسط تخبط سياسي وأمني كبيرين، مهما حاول المسؤولون عنها والمقربون منها تزويق تخبطاتها عبر مدح بناء مجسّر هنا وإكساء شارع هناك أو العزم على إنشاء مترو في بغداد يزداد اللغط حول كلفته الاستشارية حتى قبل دق أو مسمار عمل فيه!